جورجيو كافيرو - المونيتور - ترجمة وتحرير ترك برس
بعد أن قطعت البحرين ومصر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة علاقاتها مع قطر في مطلع حزيران/ يونيو الماضي متهمة إياها بدعم المتطرفين والجماعات الإرهابية والتحالف مع إيران، قدمت لقطر لائحة تضم 13 مطلبا. ومن بين مطالب إعادة العلاقات إغلاق القاعدة العسكرية القطرية التركية المشتركة في قطر.
ووصفت تركيا استهداف أقرب حلفائها في دول مجلس التعاون الخليجي بأنه "لا إنساني وينافي القيم الإسلامية". وقال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إن طلب اغلاق القاعدة ينتهك القانون الدولي.
ويوضح الإنذار الأخير أن الدول الخليجية الثلاث التي تعاقب على قطر بفرض حصار عليها، ترى أن الأتراك يقوضون بشدة جهودهم في الضغط على أسرة آل ثاني الحاكمة للاستسلام.
ولم ترفض تركيا الإنذار الذي وجهته المملكة العربية السعودية وحلفاؤها فحسب، بل قامت أيضا بنشر المزيد من القوات في قطر. وقد شوهدت الدبابات التركية في الآونة الأخيرة في العاصمة الدوحة، وهو ما أشعل بطبيعة الحال نار التوتر في الشرق الأوسط. تركيا وقطر بينهما علاقات ودية مع بعض الجماعات الإسلامية السنية مثل جماعة الإخوان المسلمين التي تعدها السعودية والإمارات ومصر جماعة إرهابية.
وإذا أخفقت الكويت والوسطاء "المحايدون" الآخرون في حل الخلاف، فإن استمرار الوجود العسكري التركي في قطر يمكن أن يشعل الوضع.
ومن المؤكد أن الوجود العسكري الأمريكي في قطر يوفر للإمارة ضامنا آمنا. الرادع الرئيس ضد أي اجتياح سعودي إماراتي لدولة قطر هو القاعدة الأمريكية في العديد. ومما لا شك فيه أن دوافع دولة الإمارات لأن تعرض على واشنطن فرصة لنقل المقر الرئيسي للقيادة المركزية الأمريكية وقواتها البالغ عددها 10 آلاف جندي إلى دولة الإمارات هو حرمان الدوحة من النفوذ، وجعل قطر عرضة بشكل متزايد للضغط المستقبلي من جيرانها.
يعرب دبلوماسيون غربيون حاليون وسابقون عن قلقهم من أن الخلاف الخليجي يمكن أن يتصاعد ليصبح مواجهات عسكرية، الأمر الذي سيخلق معضلة رئيسة أخرى لسياسة تركيا الخارجية في الشرق الأوسط، وعلى رأسها الأزمة في العراق وسوريا التي امتدت إلى تركيا. ومن غير الواضح كيف سيؤثر الوجود العسكري التركي في قطر في توازن القوى الخليجية، إذا استمر هذا الجمود. وبغض النظر عما إذا كانت القوات التركية في الإمارة تمتلك القوة العسكرية لصد أي غزو محتمل، فإن وجودها يقدم دعما سياسيا ومعنويا لأسرة آل ثاني ويثير مخاطر لأي دولة من دول مجلس التعاون الخليجي قد تفكر في استخدام القوة. كان الانتشار السريع للقوات التركية في قطر بعد اندلاع الأزمة رسالة من أنقرة مفادها أن قطر لا يجب أن تستسلم لضغوط جيرانها.
وعلى الرغم من احتجاجات أحزاب المعارضة التركية التي تحذر من أن الوجود العسكري التركي في قطر وموقف الدولة المؤيد للدوحة هو أمر خطير، فإن أنقرة تعتقد بوضوح أن حماية الإمارة من الضغوط السعودية/ الإماراتية سوف تعزز المصالح الوطنية لتركيا. وتقدر أنقرة الدوحة لاصطفافها مع تركيا في مجموعة من الصراعات الإقليمية، في ليبيا وسوريا ومصر وكردستان العراق، حيث تدعمان نفس الإسلاميين السّنة في الشرق الأوسط. ويريد الأتراك جذب المزيد من الاستثمارات القطرية إلى اقتصادهم. وتسعى شركات البناء الرئيسية في تركيا، التي تدفع النمو الاقتصادي في بلدها، إلى الحصول على عقود أكثر ربحا من الدوحة. وتعد تركيا الإمارة الخليجية سوقا رئيسا للأسلحة التي تصنعها شركاتها الدفاعية، وترى أن قطر، أول دولة عربية تقيم فيها تركيا قاعدة عسكرية، جزء لا يتجزأ من موقفها الاستراتيجي الأوسع في الشرق الأوسط وأفريقيا.
وبغض النظر عن كيفية انفراج الأزمة، فإن الأتراك يدفعون علاقاتهم المتنامية مع قطر إلى آفاق جديدة عبر دعم الدوحة وسط تهديد وجودي غير مسبوق لسيادة دولة خليجية عربية واستقلالها. ومثلما كان أمير قطر أول زعيم أجنبي يهاتف أردوغان قبل عام تقريبا في خضم محاولة الانقلاب الساقط في تركيا التي أشار الرئيس التركي أخيرا إلى أنها كانت مدعومة من عناصر داخل دول مجلس التعاون الخليجي (وهي ملاحظة موجهة دون شك إلى الإمارات)، ترى أنقرة الدوحة بصفتها ضحية مؤامرة إقليمية، ويرى أردوغان أمن الإمارة مرتبطا بتركيا.
في مايو/ أيار الماضي أعربت أصوات تركية تعارض إقامة قاعدة لبلادها في قطر عن قلقها من أن تركيا تخضع جيشها لمخاطر المواجهة العسكرية المحتملة بين قطر والسعودية، كما أنها تثير حفيظة إيران. وبالنظر إلى المستقبل، فإن النظام الجيوسياسي المتغير في شبه الجزيرة العربية يثير مخاطر لتركيا. وما زالت المخاوف المشروعة هي أن تركيا يمكن أن تجد نفسها في مرمى صراع آخر يغذيه جزء كبير من التنافس السعودي الإيراني.
على أن الأزمة الحالية وضعت تركيا وإيران في نفس الجانب من دعم قطر ضد السعودية. منذ شهر تساءل فهيم تشتكين الكاتب في "المونيتور" إذا اقتضى الأمر، فهل ستدافع تركيا عن قطر ضد إيران؟ والسؤال الذي يبدو الآن أكثر ارتباطا في الوقت الراهن هو ما إذا كانت تركيا وإيران ستدافعان عن قطر ضد السعودية والإمارات العربية المتحدة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس