نيل هاور - ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير ترك برس

تراجع تنظيم الدولة (داعش) إلى آخر معاقله في سوريا، ولكن وضوح المرحلة الأخيرة للصراع الواسع في البلاد ما يزال غير مؤكد.

ومع تركيز الولايات المتحدة تركيزا كبيرا على معركة الرقة،انتزع المبادرة حول مصير باقي الأراضي السورية ثلاثة لاعبين غير منسجمين: روسيا وإيران داعما النظام السوري إلى جانب تركيا الخصم السابق للأسد.

ومع الجولة القادمة من المحادثات الدولية في أستانا،التي بدأت هذا الأسبوع، توسعت الأرضية المشتركة بين روسيا وتركيا، التي اقترحت خطة طموحة للجيب الشمالي للمتمردين في محافظة إدلب.

اتفقت موسكو وأنقرة مبدئيا على أربع "مناطق لتخفيف التوتر" تشمل الجبهات الرئيسية للصراع بين النظام والمتمردين فى سوريا، عقب جولة سابقة من المحادثات فى أستانا فى أوائل مايو.

ويقترب البلدان في الوقت الراهن من تأسيس قوة برية لحماية هذه المناطق. وقد ركزت المباحثات الروسية التركية الأخيرة على إدلب،وهي أكبر المناطق المثيرة للخلاف من بين المناطق الأربعة.. وأعلن البلدان في 22 يونيو/ حزيران أنهما يخططان لإرسال قوات عسكرية روسية وتركية إلى ريف إدلب ومحيطها  لتنفيذ مذكرة خفض التصعيد.

وقد شوهدت قوات تركية تتجمع على طول الحدود الجنوبية لتركيا، في حين عبرت بعض الوحدات بالفعل إلى مدينتي إعزاز ومارع في شمال حلب في 21 يونيو / حزيران. وقد أثار ذلك قلقا شديدا لدى كلا من الأكراد السوريين في كانتون عفرين شمال غرب البلاد، الذين يخشون شن تركيا عملية عسكرية مباشرة ضدهم؛ و "حركة تحرير الشام" في إدلب، أحد المعارضين المحتملين لقوات أنقرة.

ولم يظهر أي مؤشر ملموس على هدف الحشد التركي، إلا أن الأساس العسكري القائم هو إمكانية نشر هذه القوات في إدلب.

إدخال الشرطة العسكرية الروسية

من المرجح أن تتخذ القوات البرية الروسية المنتشرة في المنطقة شكلا مختلفا عن وحدات الجيش النظامي.ومنذ ديسمبر/ كانون الأول استخدمت روسيا ما يسمى "الشرطة العسكرية" التي جلبتها من المناطق السنية المسلمة في الشيشان وأنغوشيا.

وقد نُشرت هذه الوحدات، التي تلقت تدريبا خاصا على مكافحة الإرهاب، لضمان إنجاز العمليات الحساسة في جميع أنحاء سوريا، بما في ذلك الإشراف على عمليات الإجلاء في حلب ومنع الاشتباكات الكردية التركية في منبج.

وقد أعربت موسكو عن رضاها عن أداء  الشرطة العسكرية، وفقا لما ذكرته صحيفة كومرسانت اليومية الروسية. وقد اقترح المسؤولون الروس أخيرا زيادة أعداد هذه القوات لتأمين إدلب.وقد أنهت وحدة من 250 من الشرطة العسكرية الشيشانية دورية عمل استغرقت ثلاثة أشهر في سوريا ،وعادت إلى بلادها، واستبدلت بها وحدة أخرى.

مشاركة دول آسيا الوسطى

ولعل الجانب الأكثر إثارة للاهتمام في المفاوضات الروسية - التركية هو اقتراح أن تحمي محافظة إدلب قواتُ لحفظ السلام من مصدرين غير مرجحين هما كازاخستان وقيرغيزستان. وقد أثار هذا الاحتمال تصريحان صدرا في 22 يونيو/ حزيران، الأول عن الجانب الروسي، ثم أسهب المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن في الحديث عنه، مشيرا إلى احتمال وجود "300 أو 500 جندي" من جمهوريات آسيا الوسطى.

وقد رفضت كل من أستانا وبشكيك هذه الاقتراحات على الفور،حيث صرح وزير الخارجية الكازاخستاني، كيرات عبد الرحمنوف، بأنه "لا يوجد أي نوع من المفاوضات" بشأن الاقتراح.

تركت تصريحات قيرغيزستان مجالا أكبر للتأويل، حيث نفى رئيس قيرغيزستان، ألماز بك أتامباييف أنه ناقش نشر قوات لبلاده  في اجتماعه مع بوتين في 20 يونيو ، ولكن رئيس مجلس أمن الدولة تيمور جمعة كاديروف، أشار إلى أن منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وهي تحالف عسكري يضم روسيا ، وبيلاروسيا، ودول آسيا الوسطى الخمسة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، ناقشت أخيرا مناطق تخفيف التصعيد.

كانت ردود فعل النشطاء المحليين في قيرغيزستان سلبية تجاه الحديث عن نشر قوات لبلادهم، حيث قال أحد المعلقين المعروفين في قيرغيزستان إن مشاركة قوات بلاده في سوريا يمكن أن تنتهي بحرب أهلية في قيرغيزستان. أثار حديث الناشط القيرغيزي،عادل توردوكولوف،  المخاوف من أن مشاركة بيشكيك في سوريا يمكن أن يدفع  القوات القيرغيزية إلى قتال الجهاديين القيرغيزيين في تطور يمكن أن يمتد إلى داخل البلاد.

من جانبها أوضحت موسكو أن لا أحد مجبر على إرسال قوات بلاده إلى سوريا، وأن المحادثات مستمرة في إطار منظمة معاهدة الأمن الجماعي.

تحول العلاقات التركية الروسية

يبدو التقارب الأخير بين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين،ونظيره التركي ،رجب طيب أردوغان، أمرا لا يمكن تصوره بعد أن أسقطت تركيا طائرة روسية في سوريا في نوفمبر / تشرين الثاني 2015. وقد حدث هذا التحول عندما أعادت تركيا النظر في أولويات سياستها الخارجية خلال الأشهر الـ18 الماضية.

أظهر تدخل روسيا لدعم الأسد لتركيا أن هدفها الأساسي للإطاحة بالرئيس السوري أصبح غير واقعي في الوقت الحالي. ومنذ ذلك الحين، عملت أنقرة على ما تعده المشكلة الأخطر وجوديا: تقويض الدولة الكردية السورية الوليدة المصطفة مع حزب العمال الكردستاني على حدودها الجنوبية.

يرى أردوغان والنخبة التركية أنهما لا يثقان في مساعدة الولايات المتحدة لتحقيق هذا الهدف. وقد فسرت أنقرة دعم الولايات المتحدة للأكراد السوريين على أنه تجاهل للمخاوف التركية في أحسن الأحوال، وعداء حقيقي لتركيا في أسوأ الأحوال.

ترغب تركيا وروسيا أيضا في حل الصراع السوري إلى حد كبير. ووما تزال تركيا  تحمل عبئا هائلا من اللاجئين، في حين لا ترغب روسيا في دعم هجمات النظام غير المحددة على المناطق النائية التي لا تمثل أي أهمية  لمصالح موسكو.

تعد جولة المحادثات التي تعقد في أستانا هذا الأسبوع حاسمة لتعزيز التعاون الروسي التركي في جميع هذه القضايا، بما في ذلك المزيد من التفاصيل حول خطط حفظ السلام في إدلب. وقد أشارت مصادر عسكرية روسية إلى أن روسيا قد تسعى إلى جذب دول إضافية من منظمة معاهدة الأمن الجماعي لإرسال قوات حفظ سلام إلى سوريا، وعلى الأرجح من دول أخرى فى آسيا الوسطى، مثل طاجيكستان وأوزبكستان.

سافر بضع آلاف من مواطني آسيا الوسطى السوفياتية السابقة للقتال مع الجماعات المتطرفة في سوريا. ومن المحتمل أن تسعى دولهم الأم إلى القضاء عليهم في ساحة المعركة ومنعهم من العودة إلى ديارهم، كما تفعل فرنسا وبريطانيا في العراق.

وثمة مسألة أخرى مهمة تتعلق بما يتردد من أنباء  حول هجمات تركية على الأكراد السوريين  في شمال سوريا.

هل أعطت روسيا تركيا الضوء الأخضر لعملية عسكرية؟

أشارت مصادر كردية إلى أن روسيا تسحب وجودها العسكري الصغير في عفرين لمنح تركيا حرية شن عملية عسكرية في مقابل التعاون معها في إدلب.

بيد أن هذه المسألة ما تزال مشكوكا فيها، حيث قالت مصادر في عفرين إن القوات الروسية ستبقى هناك،بينما يعتقد الخبراء الأتراك أن موسكو سوف تعطي الضوء الأخضر لأي عملية تشنها أنقرة على الكانتون الكردي.

من جانب ثان تعمل موسكو جاهدة على ضمان موافقة الولايات المتحدة الأمريكية والأردن على مناطق وقف التصعيد في جنوب سوريا، وحققت تقدما كبيرا مع عمان في هذا الصدد.

ما تزال هناك كثير من العقبات المحتملة أمام أفضل الخطط المقدمة من موسكو، فقد جاءت المواجهات الأمريكية الإيرانية الأخيرة في جنوب شرق سوريا، والقتال بين  قوات النظام والقوات الكردية لتذكر بأن الكرملين يواجه صعوبات في كبح حلفائه.

وما يزال من غير الواضح أيضا ما سيحدث بالتحديد في إدلب نفسها، أو لعشرات الآلاف من مقاتلي المتمردين الموجودين هناك. لكن يبدو أن موسكو، وبدعم تركي، قد انتزعت مبادرة تحديد مستقبل سوريا الفوري.

وبينما تبدو واشنطن متخبطة في استراتيجيتها في سوريا، فإن روسيا تحقق تقدما قويا مع حلف الناتو الجديد الذي شكلته من أجل ترسيخ رؤيتها الخاصة لحل الصراعات المتجذرة في بعض مناطق سوريا.

عن الكاتب

نيل هاور

محلل شؤون الشرق الأوسط في مجموعة " سيكديف" في كندا لمراقبة الصراعات


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس