حسنين قاسم - دير شبيغل الألمانية - ترجمة وتحرير ترك برس

منع وزير الخارجية النمساوي، سيباستيان كورتس، وزير الاقتصاد التركي، نهاد زيبكجي، من زيارة بلده لدواعي أمنية، ولكن يبدو أن الحقيقة الكامنة وراء ذلك مخالفة تماما لهذا الادعاء.

أصدر وزير خارجية النمسا، سيباستيان كورتس، قرارا يمنع وزير الاقتصاد التركي، نهاد زيبكجي، من دخول الأراضي النمساوية، علما بأن هذا الأخير قد قدم للمشاركة في تظاهرة "ذكرى المحاولة الانقلابية"، التي عاش أطوارها داخل البرلمان التركي في العاصمة التركية أنقرة، في السنة الفارطة.

وفي هذا الصدد، أوردت وزارة الخارجية النمساوية في بيان صحفي  يوم الاثنين أن "زيارة زيبكجي قد تشكل خطرا على الأمن العام في النمسا". كما أكد البيان أن "السياسي التركي سيكون مرحب به في النمسا إذا كان قدومه للبلاد في إطار زيارة رسمية".

من جهة أخرى، حاول كورتس إخفاء حقيقة معارضته للتظاهرة التي نظمها اتحاد الديمقراطيين الأتراك الأوروبيين، وهي منظمة تنضوي تحت لواء حزب العدالة والتنمية التركي، الذي أدان بشكل علني المحاولة الانقلابية الفاشلة، التي جدت بتاريخ 15 تموز/ يوليو من سنة 2016، والتي كانت تهدف إلى  الإطاحة بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.

في المقابل، لا توجد معلومات مؤكدة بشأن الجهة التي قادت هذا الانقلاب الفاشل، علما بأن أردوغان قد وجه أصابع الاتهام نحو الداعية، فتح الله غولن، الذي يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، وميليشياته المنتشرة في مختلف هياكل الدولة خاصة في الجيش وسلك الأمن، فضلا عن القضاء والتعليم.

علاوة على ذلك، توجد العديد من المؤشرات التي تؤكد أن مجموعة من الضباط المنتمين إلى حركة غولن قد خططوا للانقلاب على النظام التركي، لكن لا توجد أدلة واضحة على ضلوع غولن في هذه المحاولة الانقلابية.

في الحقيقة، قد يكون منع زيبكجي من زيارة النمسا في مصلحة كورتس، الذي سيحتفل بعيد ميلاده 31 في شهر آب/ أغسطس المقبل، والذي يشغل منصب رئيس الحزب الشعبي. كما أن كورتس مرشح عن حزبه لحيازة منصب المستشار خلال الانتخابات التشريعية المقبلة، خاصة أن استطلاعات الرأي، تشير إلى أنه يعتبر السياسي المفضل في النمسا. وطيلة مدة من الزمن، تمكن الحزب الشعبي من الظفر بالمرتبة الأولى في استطلاعات الرأي بعد حزب الحرية النمساوي اليميني المتطرف، والحزب الديمقراطي الاجتماعي النمساوي.

 وبعد حل التحالف الكبير داخل البرلمان النمساوي سنة 2015، جرت انتخابات تشريعية جديدة في 15 تشرين الأول/ أكتوبر من نفس السنة، وكان كورتس قادرا على اعتلاء منصب المستشار. أما في الوقت الراهن، لا يضمن كورتس حصد أغلبية تمكنه من تكوين حكومة. لذلك، لجأ لكسب تأييد أصوات من التيار اليميني باعتماد أسلوب شعبوي، مع العلم أن موقفه الأخير من وزير الاقتصاد التركي يندرج ضمن حملته الانتخابية. وفي هذا الإطار، أورد مستشار النمسا، كريستيان كيرن، لراديو "Ö1" أن "الحكومة التركية ترغب في ممارسة نفوذها السياسي في النمسا، الأمر الذي لن نسمح به مطلقا".

وفي الماضي، دعا كورتس إلى وقف المفاوضات بشأن انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، لكن مقترحه لم يلق تأييدا من مختلف الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وحيال هذا الشأن، يبدو أن كورتس يرغب في تصعيد الخلاف مع تركيا لأسباب سياسية داخلية، إلا أن السياسة الخارجية النمساوية باءت بالفشل، نظرا لأن تركيا رفعت "فيتو" تعترض فيه على مشاركة النمسا في فعاليات حلف الناتو.

يعتبر زيبكجي الأمل الوحيد في قضية الصحافي، دينيس يوسيل

بعد أيام من المحاولة الانقلابية، دعا زيبكجي إلى تسليط عقوبات مشددة على المعتقلين دون خضوعهم لمحاكمة أو توفر أدلة إدانة واضحة. وفي هذا الصدد، قال زيبكجي "سوف نعاقب المعتقلين بشدة إلى درجة تمني الموت". في السياق ذاته، تابع وزير الاقتصاد التركي، "سنجبرهم على التوسل لنا ثم نلقي بهم في حفرة عميقة حتى لا  يتمكنوا من رؤية ضوء الشمس بتاتا". وواصل زيبكجي تهديداته قائلا، "سيتمنون الموت، وحتى في صورة قتلهم، فإنني لن أشفق عليهم. سيموتون في حفر عميقة مثل الجرذان".

وخلافا لذلك، انتقد زيبكجي حكومته عند اعتقال مراسل صحيفة فيلت، دينيس يوسيل. وعلى خلفية ذلك، صرح وزير الاقتصاد التركي بأنه "لا يجب اعتقال صحفي، وإن أمكن ينبغي عليه أن يمثل أمام المحكمة في حالة سراح". وفي الأثناء، اعتقدت السلطات الألمانية أن زيبكجي قادر على التأثير على أردوغان لإطلاق سراح يوسيل. وهنا لسائل أن يسأل: هل يعتبر قرار منع زيبكجي من دخول الأراضي النمساوية قرارا صائبا؟

استنكرت وزارة الخارجية التركية قرار منع زيبكجي من دخول النمسا. وفي هذا الإطار، أوردت وزارة الخارجية التركية أن "دعوة النمسا للدفاع عن القيم الديمقراطية غير صادقة". وفي السياق نفسه، أفاد نائب رئيس  اتحاد الديمقراطيين الأتراك الأوروبيين، فاتح زينكال، أنه "من المحزن أن تستغل النمسا ذكرى المحاولة الانقلابية التي أدت إلى سقوط جرحى  وقتلى لأغراض سياسية". وحيال هذه المسألة، أورد زينكال أن "التظاهرة لا تمثل حدثا سياسيا، ولا تندرج في إطار حملة انتخابية، بل هي تعد بمثابة رد اعتبار للقتلى والجرحى الذين سقطوا جراء المحاولة الانقلابية".

وفي وقت سابق، رفضت الحكومة الهولندية زيارة نائب رئيس الوزراء التركي، توغرول توركس، لهولندا. فضلا عن ذلك، أثارت مسألة منع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، من إلقاء كلمة خلال قمة مجموعة العشرين بهامبورغ، جدلا واسعا. وفي هذا الصدد، أفاد اتحاد الديمقراطيين الأتراك الأوروبيين أن "هذا القرار يخلو من مبادئ الديمقراطية والعقلانية"، بينما أشارت بعض الأطراف اليمينية المتطرفة في ألمانيا إلى أن "أردوغان سيستغل كلمته خلال قمة مجموعة العشرين للترويج لحملته الانتخابية".

ومن جهته، صرح أردوغان أن "منعه من إلقاء الكلمة يعد بمثابة الانتحار السياسي لألمانيا". وفي ذات السياق، أفاد وزير الخارجية الألماني، سيغمار غابرييل، أن "الخلافات مع تركيا أصبحت عميقة ولا نحتاج إلى صب الزيت على النار، إذ أننا لا نرغب في أن تمارس تركيا نفوذها السياسي في ألمانيا". وتابع وزير الخارجية الألماني أن "ألمانيا لا ترغب في تعميق خلافاتها مع تركيا بعد اتهام أردوغان السلطات الألمانية بانتهاج ممارسات العهد النازي".

وبمناسبة ذكرى المحاولة الانقلابية، نظمت بعض المنظمات التركية تظاهرات احتفالية في كل من شتوتغارت ونورنبيرغ. وقد تم تنظيم أول تظاهرة احتفالية في مدينة دوسلدورف، شارك فيها حوالي 1000 شخص.

ووفق وزارة الخارجية الألمانية، كان من المنتظر أن يشارك  سياسي تركي في إحدى هذه التظاهرات الاحتفالية، حيث أفاد ناطق رسمي باسم الوزارة أن "هذا السياسي قدم طلبا للمشاركة في التظاهرة". لكن، رفض هذا المتحدث مدنا بهوية هذا السياسي، علما بأنه ليس عضوا في الحكومة التركية. كما أنه من غير الواضح ما إذا تم قبول هذا الطلب، وما علينا إلا التثبت من ذلك.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس