علي حسين باكير - السورية نت
في العام 2012، وعندما كانت المعارضة السورية تسيطر على حوالي 70% من مساحة سوريا، وقبل أن تتخذ إيران قراراً استراتيجياً بالرمي بكل ثقلها لمنع انهيار الأسد، وإدخال أذرعها بدءاً من فيلق القدس ومروراً بحزب الله والمليشيات الشيعية العراقية وليس انتهاءً بمرتزقة شيعة من وسط آسيا وأفريقيا، بلغ اعتماد الأسد على الطائرات والصواريخ البالستية ذروته في الاعتداء على المدنيين.
في ذلك الوقت بدا واضحاً أنّ ما يحول دون استكمال زحف المعارضة سريعاً لإسقاط الأسد هو التفوق الجوي الذي يتمتع به، وقد التقيت في مركز عملي السابق حينها بدبلوماسي أمريكي سابق يتابع الملف السوري ، وبينما كنت أشرح ضرورة دعم المعارضة بالسلاح النوعي وتزويدها بأسلحة متطورة مضادة للطائرات، العشرات منها كان يكفي لتحقيق شبه حظر جوي، قال لي إنّ المشكلة في هذا المطلب تحديداً رفض الرئيس الأمريكي له على الرغم من توصيات كبار مستشاريه بضرورة دعم المعارضة بشكل أكبر.
مرّ أكثر من عامين على هذا الكلام، واستخدام الأسد كل ما لديه من ترسانته المدمرة ضد المدنيين بما في ذلك الأسلحة الكيماوية ولم تحصل المعارضة لا على منطقة آمنة ولا على حظر جوي رغم أنّ كل ما كانت تطالب فيه هو مجر د أسلحة نوعية مضادة للطائرات.
مع إعلان حملة "العزيمة الصلبة" على تنظيم الدولة "داعش"، اعتبرت أنقرة أن إنشاء منطقة آمنة وفرض حظر جوي هو مطلب أساسي لا يمكن من دونه لها الاشتراك في الحملة ولا يمكن للحملة الانتصار على "داعش"، لكن مع ذلك، بدا واضحاً أن أوباما لا يزال يرفض هذا المطلب، لا بل إنّ احتمال الموافقة عليه أصبح شبه معدوم مع إمداد الكرد في عين العرب بالمساعدات من الجو، واتجاهه عملياً للتنسيق مع نظام الأسد ومحوره ضد "داعش".
وبالرغم من ذلك، إلا أنّ مؤشرات عديدة ظهرت مؤخراً توحي بأنّ الأمل بإقامة المنطقة الآمنة لم يتبخّر كليّاً بعد، ومنها:
1 - عدم حصول تقدم في مواجهة "داعش": هناك تركيز في الإعلام على عدد الطلعات الجوية والضربات والأهداف التي يتم قصفها يومياً دون إعطاء الصورة الكليّة للمشهد، وهذا يعني مزيداً من الإغراق في التفاصيل دون تقييم الوضع العام الذي يقول إنّ الضربات لم تؤذ "داعش" بالشكل المطلوب، فالضربات الجوية ذات أثر محدود، لا بل على العكس هي تغذّيها. ولذلك هناك شبه إجماع لدى الخبراء مؤخراً مفاده أنّ بقاء الأمر على حاله سيؤدي إلى كارثة. وفي وقت كان عدد من هؤلاء يطرحون التعاون مع الأسد والنظام الإيراني كحل، كان لافتاً أن يعيد بعضهم التحذير من ذلك ويطرح في المقابل ضرورة إشراك تركيا وإنشاء منطقة آمنة وحظر جوي، ومن بين هؤلاء:
ماكس بوت، الذي عمل مستشاراً غير رسمي لعدد من القادة العسكريين الأمريكيين في أفغانستان وهو زميل في دراسات الأمن القومي في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، وكان قدم ورقة ذكر فيها عدداً من التوصيات لتصحيح الاستراتيجية الأمريكية، من بينها فرض حظر جوي ومنطقة آمنة وإشراك تركيا.
اليوت أبرامز وهو زميل أول متخصص بالدراسات الشرق أوسطية في مجلس العلاقات الخارجية أيضاً ودبلوماسي سابق، خدم كنائب مستشار للأمن القومي سابقاً، وكان قد رأى في شهادته أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي بتاريخ 19-11-2014 ضرورة منع نظام الأسد من استخدام قدراته الجوية لضرب المعارضة والشعب السوري.
ومثله أيضاً أوصى ستيفين هيدمين المتخصص في حل النزاعات والشأن السوري في شهادته أمام نفس اللجنة بضرورة فرض منطقة حظر جوي شمال سوريا وإنشاء منطقة عازلة على طول الحدود مع تركيا.
2 - الحاجة الإنسانية الملحّة: قبل إعلانها استقالتها، دعت "فاليري آموس"، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، في 18-11-2014، مجلس الأمن الدولي إلى ضرورة تبني مشروع قرار بشأن المناطق الآمنة في سورية، مذكرة بحجم المأساة الإنسانية وتداعياتها الإقليمية ما لم يتم حصول مشكلة وصول المساعدات.
3 - الموقف التركي: وهو أهم عنصر في العناصر المذكورة. حيث لا تزال الحكومة التركية تتمسك بهذا المطلب وتضغط باتجاه تحقيقه كشرط للانضمام إلى التحالف الدولي بقيادة واشنطن. ورغم المحاولات الأمريكية التي تتراوح بين الضغوط والجهود لإقناعها بالانخراط من دون هذه المطالب وآخرها زيارة جون بادين في 21-11-2014، إلا أن تركيا لم تخضع لسياسة الترهيب والترغيب وما تزال ترى أنّ إمكانية نجاح السياسة الأمريكية ضد "داعش" من دون مواجهة الأسد مستحيلة.
بيان الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية الأخير ربط بين الموافقة على مساعدي دي ميستورا بإقامة "مناطق آمنة شمال خط العرض 35، وجنوب خط العرض 33، وفي إقليم القلمون، على أن يحظر فيها وجود النظام وميليشياته وأي امتداد له، كذلك يجب فرض حظر القصف الجوي بكافة أشكاله، وتوفير الحماية الكاملة للمدنيين السوريين من صواريخ الطغمة الأسدية وبراميلها المتفجرة" وهي فقرة دقيقة معبّرة وتأتي في سياق المطالب التركية بشكل تام.
من المرجح أن تعزز تطورات مستقبلية رجاحة منطق المطالبين بالمنطقة الآمنة والحظر الجوي خاصة إذا ما فشل دي ميستورا في مسعاه وهو ما يبدو أنّ النظام السوري يقوم به بشكل جيد. لكن تبقى المشكلة الأكبر هي ربط أوباما الملف السوري بسياسته تجاه إيران، وإذا ما صح ذلك (والكاتب يرى أنه بهذا الشكل)، فهذا يعني أننا سننتظر على الأقل ما بين 4 و7 أشهر أخرى لنرى إذا ما كانت الضغوط لإقامة منطقة آمنة وحظر جوي ستنجح أم لا، ولا شك حينها أنّ فشل الاتفاق بين واشطن وطهران سيعزز من فرص إقامة المنطقة الآمنة والحظر الجوي، أما إذا حصل اتفاق فسيكون بمثابة كارثة للمنطقة برمتها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس