ترك برس
قال وزير التجارة السوداني عثمان الشريف إنّ الخلافات القائمة بين المسلمين يمكن حلّها باستخدام العقل السليم، واستبدالها بقضايا اقتصادية واجتماعية مثل بناء المصانع والمزارع والجامعات، وذلك في لقاء له مع ترك برس على هامش منتدى الأعمال الدولي ومعرض جمعية رجال الأعمال والصناعيين المستقلين "موصياد".
- ما هي طبيعة مشاركتكم وتعاونكم مع جمعية الموصياد؟
كانت السودان واحدة من ست دول شاركت في تأسيس الموصياد، وفي عام 1996 عُقِد اجتماع في تركيا وتمّ بناءًا عليه تأسيس جمعية الموصياد ومقرّها أصبح في تركيا. ووجدت الجمعية من تركيا الرعاية والعناية والاهتمام دولةً وشعباً، وبالتالي كانت الغرفة التجارية لإسطنبول والغرف التجارية المختلفة صاحبة دور كبير جداً في استمرارية الموصياد، لأنّ الموصياد هو فكرة، وهذه الفكرة تناقض الأفكار التي تقول إنّ الإسلام دين إرهاب وعنف، ومنهجها منهج عملي وليس منهج تهريج أو إعلام أو كلام وإنّما منهج أنّنا نقيم هذه المشاريع التي تحارب الفقر والعطالة وأنّنا نرتفع بمستوى الدخل القومي للإنسان في البلاد الإسلامية والعربية، ونمد التعاون بين كل دول العالم دون أي نوع من أنواع التعصب أو التحيز لأي فكرة.
السودان كذلك عضو نشط جداً في اللجنة الدائمة للتعاون التجاري والاقتصادي التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي "كومسيك" وفي جمعية الموصياد، ونحن الآن نشارك بثلاث وزراء: وزير المالية ووزير التجارة ووزير الصناعة، ونحن شاكرون ومقدّرون. وكما رأيتم فالمنتدى الآن هو منتدى متقدّم فكرياً، فقد ناقش أهم قضية وهي قضية التمويل للمشروعات التي تتعلق بالهدف الاستراتيجي والصعوبات التي تعترض عملية التمويل، وتكلّم عن القروض القصيرة التي تنتهي في سنتين وثلاث سنوات، والآن نحن نتجه لإيجاد حلول تستمر لعشرين سنة حتى نستطيع أن نؤسس لمشاريع كبرى.
مشاريع البنى التحتية تحتاج لكميات كبيرة من الأموال ولزمن كبير لتنفيذها، وكما ترون الآن هناك مجهودات أو مشاريع كبرى لربط البلاد الإسلامية بخطوط مواصلات وسكك حديدية رخيصة وطرق برية، حتى يتمكن الراكب من أن يطوف كل الدول العربية والإسلامية بسيارته. أيضاً هناك بجانب التطوير صناعة الطيران والنقل البحري والنقل النهري والاستفادة من تجارة الخدمات كالاتصالات أو المواصلات أو إجراءات مرور السلع والأشخاص، حتّى نصل إلى تطبيق الحريات الأربعة بالنسبة للعالم الإسلامي، وهذا هدفنا، نحن نسعى الآن إلى التجمّع الاقتصادي الكبير الذي يملك رأس مال كبير وبالتالي يستطيع أن ينفذ مشاريع كبيرة ويساهم في الحضارة الإنسانية.
- بعد مرور 20 عاماً على انطلاق جمعية الموصياد، ما تقييمكم لمدى فعّالية الجمعية من خلال استفادة السودان منها؟ هل ساهمت في جلب استثمارات من الدول الإسلامية الأخرى؟
استفاد السودان من هذه الجمعية فائدة مهمّة جداً، خصوصاً من المنظمات الإسلامية كالبنك الإسلامي، والعلاقة ما بين رأس المال في البلاد الإسلامية، مثلاً رأس المال التركي يعمل في السودان بقيمة 500 مليون دولار، وهناك مشروع الآن في السودان يتوقع أن يصل حجمه إلى 100 مليون دولار وهو مشروع زراعي وصناعي تحويلي، وكل هذا بفضل هذه الجمعية وأثرها واضح جداً في كل البلاد الإسلامية وهي ذات أثر لا تخطئه العين في كل البلاد الإسلامية، وربما ساعدت سياسة تركيا المنفتحة والمشجعة ساعدت كثيراً من الدول على تشجيع الرأسماليين والبنوك الإسلامية فيها حتّى يتعاونوا فيما بينهم.
- هل تتوقّع أنّ من شأن العلاقات الاقتصادية أن تقارب بين الدول وتتجاوز الخلافات السياسية في ظل ما تشهده المنطقة من خلاف في التوجهات؟
أشار المحاضر اليوم في كلمته إلى أنّ العالم الإسلامي يمر في أزمة، وأنّ هذه الأزمة ذات طابع سياسي وأنّها تقلل من الثقة بين البلاد الإسلامية، وأنّها أدّت إلى انقسام في الصفوف في الدولة الواحدة، ناهيك عن الدول المختلفة، لكنّ الوضع الاقتصادي والتعامل الاقتصادي والمشاريع المشتركة لا شكّ أنّها تذوّب هذه الخلافات وتجعل النقاش المطروح نقاش مصالح ونقاش فوائد بالنّسبة للشّعوب وليس خلاف سيطرة أو سلطة.
لو نظرنا الآن إلى كثير من هذه القضايا نجد أنّها تتعلّق بالفهم الفكري للدّين ولمعنى العروبة أو لمعنى الإسلام، أي أنّ هذه الخلافات كلّها خلافات يمكن لو استخدم النّاس العقل حلّها واستبدالها بقضايا اقتصادية واجتماعية ببناء المصانع والمزارع والجامعات حتى يكون النقاش بين أفراد الأمة الإسلامية والعربية هو كيف نبني جامعة أو مصنع أو نبني مشروعاً كبيراً أو كيف نستفيد من المياه، وأن لا يكون الخلاف بيننا: ماذا تفهم من الإسلام؟.
الصراع الدائر هو حول المفاهيمية، وفهم كل مجموعة للإسلام، وتغليب فهم معيّن هو ما أدّى إلى دخول الناس في الصراعات المختلفة هذه. ولكن إذا فهم النّاس الإسلام من القاعدة الأساسية "يا أيّها النّاس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا" (الحجرات 13)، وأنّ الهدف الحقيقي هو أن نتعارف ونتعاون، وأنّ المعارفة أساس العلم وأساس الثقافة وأساس الحضارة. وبالتالي يقلّل التطور الاقتصادي والتعاون الاقتصادي مساحات الخلاف ويحاصر الأزمة، وهي أزمة فراغ أو أزمة ثقافة أو أزمة جهل لأنّنا الآن محتاجون لأشياء كثيرة، مثل التعليم الممتاز والمواصلات الممتازة والتنظيم والأجهزة الممتازة، ونعبّر عن هذا العجز بمماحكات ومغالطات لفظية بأنّ هذه الكلمة تعني وتلك الكلمة لا تعني وهذا حلال وذاك حرام، وإنّما القاعدة واضحة جداً وهي أنّ من المفترض أن نهدف كلنا إلى حقيقة واحدة وهي إقامة العدل والمساواة وأن يكون المجتمع قادراً على حل مشاكله، وليس فقط مشاكل المسلمين ولكنّ النّداء جاء: يا أيها النّاس، وهنا سقطت أي حجّة لاضطهاد أي أحد لاختلاف دينه أو لونه، والمسلم مطالب بأن يتعارف مع كل الناس وهذا واضح جداً. ويبقى بعد ذلك خطاب الخصوصية يتعلق بالشخص إذا كان من دائرة المسلمين أو دائرة المؤمنين يعني أنّه كلّما جوّد كلّما ارتقى إلى دائرة الإنسانية، عندما قالت العرب "آمنّا" قيل لهم "قل لم تؤمنوا ولكن قولواً أسلمنا"، وأنت تتطور من دائرة الإسلام لدائرة الإيمان لدائرة الإنسانية.
وهذه هي رسالة الموصياد الحقيقية، وهي أن نقود الناس إلى تحقيق إنسانية الإنسان بتنمية قدراته وإزالة كل العوج والفقر والعطالة من الشباب والإنسان المسلم والعربي، بل كل إنسان بغض النظر عن لونه وشكله.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!