ترك برس
يحرص الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال المؤتمرات والاجتماعات الدولية التي يشارك فيها، على تكرار عبارة "العالم أكبر من خمسة"، للتعبير عن موقفه الرافض لتحكّم الدول الخمسة دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي بمصير العالم، وهي الولايات المتحدة، وروسيا وبريطانيا، والصين، وفرنسا، حتى باتت شعارًا واسع الانتشار.
ويقول الرئيس التركي دائمًا إن "انعدام العدالة هو أحد الأبعاد المهمة للمشاكل العالمية، فمجلس الأمن وغيره من المؤسسات العالمية، تفتقد للعدالة، ولا أحد يستطيع أن يقول إن الأمم المتحدة قائمة على أساس عادل".
ويُضيف أردوغان إن "خمس دول فقط داخل الأمم المتحدة قولها معتبر، ومجريات العالم كله تعود لقرار هذه الدول، ولكن ألا توجد وجهات نظر مختلفة عن هذه الدول؟ هل قراراتها تشمل العالم بأسره؟ لابد من إصلاح الأمم المتحدة".
وفي هذا الصدد، يرى البروفيسور طارق أوغوزلو، عضو قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة "بيليم" في ولاية أنطاليا التركية، أن الأمم المتحدة، لم ولن تكون أبدا منظمة يمكن أن تضع حدا للتناحر والصراعات بين الدول، أو تضمن تحرر البشر من كل أنواع الظلم والعوائق والقيود، التي تحد من حريتهم وكرامتهم.
ومع ذلك، ينبغي أن تتمثل المهمة الأساسية للأمم المتحدة في المساعدة على تمهيد السبيل أمام بيئة دولية معينة يمكن فيها إيجاد الحلول العالمية للمشاكل العالمية بسهولة وفعالية. ولكي يحدث ذلك، ينبغي اتخاذ بعض الخطوات دون أي تأخير.
أولا، يجب أن تحافظ القوة العالمية الرائدة والممول الرئيسي لمنظومة الأمم المتحدة، وهي الولايات المتحدة، على التزامها بروح المنظمة الدولية متعددة الأطراف والموجهة نحو توافق الآراء، وفق أوغوزلو.
ومع وجود الرئيس الجمهوري دونالد ترامب حاليا في البيت الأبيض، فإن الالتزام الأمريكي بآليات الأمم المتحدة متعددة الأطراف لم يعد من الممكن اعتباره أمرا مفروغا منه.
وقد أثبتت عقلية "أمريكا أولا" التي يتبناها ترامب بالفعل تأثيرها الضار على قضية الاحتباس الحراري العالمي والتجارة الحرة، فقراره بسحب بلاده من "اتفاق باريس" بشأن المناخ والشراكة عبر المحيط الهادئ لا يبشر بالخير لمستقبل الالتزام الأمريكي بالإرث المؤسسي متعدد الأطراف للأمم المتحدة.
على كل الأعضاء الأغنياء في الأمم المتحدة، وليس فقط الولايات المتحدة، أن يساهموا بشكل أكبر في ميزانية الأمم المتحدة.
ثانيا، يجب ألا يرى الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن (الولايات المتحدة، وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين) الأمم المتحدة كمنبر يمكنهم من خلاله حماية مصالحهم الأمنية الحقيقية ومجال النفوذ في جميع أنحاء العالم بعقلية خالصة.
ولكي تبقى شرعية الأمم المتحدة، ينبغي احترام صفاتها الليبرالية ومتعددة الأطراف، خاصة من قبل الدول الكبرى (الخمس الكبار) المتمتعة بحق النقض.
ثالثا، ينبغي إعادة تصميم مختلف أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها بطريقة تسمح بإفساح المجال أمام القوى الناشئة أو الصاعدة غير الغربية في العالم. وينبغي للأمم المتحدة أن تعكس ديناميات القوى الناشئة في عالم اليوم.
لماذا ما تزال المملكة المتحدة (بريطانيا) وفرنسا تحتفظان بحق "الفيتو" داخل مجلس الأمن في حين أن ألمانيا والهند واليابان والبرازيل وتركيا وغيرها من القوى الصاعدة يمكن أن تنضم إلى مجلس الأمن فقط كأعضاء مؤقتين لمدة سنتين، بانتظار انتخابهم من قبل الجمعية العامة ؟.
وينبغي أيضا منح القوى غير الغربية المزيد من حقوق التصويت في الهيئات الدولية الأخرى التابعة للأمم المتحدة، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وينبغي تعيين مواطنيها في وظائف أكثر تأثيرا داخل بيروقراطية الأمم المتحدة.
من جهته، يقول البروفيسور الدكتور "فؤاد كيمان"، مديرُ مركز اسطنبول للسياسات، إنه مع تقدّم الزمن تزداد الهوة بين المشاكل التي يعاني منها العالم، وهيكلية الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، ولهذا فإنّ الشعار الذي تنادي به تركيا (العالم أكبر من خمسة) شعار صائب وفي مكانه، فلم نعد نعيش في عالم يتحكّم فيه دولتين كما كان الحال في فترة الحرب الباردة، فالعالم بات متعدد الأقطاب ولم يعد هناك زعيم واحد يتحكّم في المقاليد.
صحيح أنّ الدول الخمسة الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، ما زالت تتحكم بمكامن القوة، لكن شروط وظروف الدول العالمية اليوم يستوجب الانتقال إلى نظام أمني عالمي جديد، يكون فيه لباقي القوى الحديثة كلمة في حل أزمات العالم.
وعلى ما يبدوا فإنّ إحلال السلام والأمن في العالم لن يكون ممكناً دون إيجاد هذا النظام الذي يقوم فيه لاعبون جدد بتبني أدوار في حل أزمات العالم، فأمن البشر والطبيعة يستحوذان على أهمية بقدر أهمية أمن الدول بحسب كيمان.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!