أحمد الملاح - خاص ترك برس
عيون إسطنبول الجميلة تكتحل الْيَوْمَ بحراك عربي فريد من نوعه لم تشهده سابقًا أضاف لسحرها الأزرق عبق جديد من رائحة الهيل الفكري العربي الذي ينتشر داخل أزقة المدينة التاريخية وفي مبانيها العثمانية، يتوسع ليصل كل مناطق المدينة حتى الحديثة ذات الإبراج الزجاجية.
قبل ثلاث سنوات فقط لم يكن لإسطنبول أي ملامح لوجوه الثقافة العربية سوى أسياخ الشاورمة السورية الجميلة المنتشرة هنا وهناك وبعض المكتبات التركية التي تبيع الكتب الإسلامية باللغة العربية داخل أزقة منطقة الفاتح القديمة لطلاب العلم الشرعي الأتراك من رواد المدارس الدينية.
لم يدم الحال على ما هو عليه، كان معرض الاول للكتاب العربي قبل عامين تقريبًا رسالة واضحة لعطش أرض إسطنبول للقلم المصري والمطبعة البيروتية، المثقف البغدادي، إقبال لم يتوقعه الشباب القائمين على المعرض في ذالك الوقت ورسالة لدور النشر والمفكرين على تقصيرهم تجاه هذه البقعة من الأرض التي تحمل جالية مليونية من العرب، وعبق من تاريخ مشترك مرسوم بحروف عربية تحكي قصة الثقافة العثمانية المشتركة بين قوميات متعددة، مرسومة على كل أبنية المدينة القديمية وترتسم فوق كل معالمها.
حراك عربي واضح المعالم فالمدارس العربية، والمقاهي، المكتبات والمؤسسات والمنتديات، منتشرة في كل بقعة من أرض إسطنبول، حراك على مستوى الإعلام أيضًا فأنا الْيَوْمَ عضوًا في رابطة الإعلاميين العراقيين في الخارج ومقرها إسطنبول، وعضوًا أيضًا في رابطة الإعلاميين العرب في تركيا، فيما تحتضن مدينة البسفور العشرات من مقرات المؤسسات الإعلامية العربية لها العديد من النشاطات وكلها مؤسسات جديدة تتفاعل مع بعض لخلق مناخ فكري يزدهر يوم بعد أخر.
فرصة تواجدك في إسطنبول يجعلك تسافر من الخليج العربي إلى جبال الأطلسي عبر ثقافات مختلفة نقلها العرب بمختلف بلدانهم إلى القسطنطينية، فجلسة حوار بسيطة في مقاهي الشاي الشعبية ستجد أنها تجمع الموصلي بالحلبي بالإسكندراني، وقد تشاهد جلسة سمر لأصدقاء على خليج ايوب يجتمع فيها البرحي البصراوي مع المعروك التونسي والشاي الموريتاني العظيم، هذا التنوع الفريد لا بد له من نتاج قريب سيرتسم في عقول جيل جديد من المثقفين العرب.
الْيَوْمَ كان صباحي مختلفًا وأنا أزور معرض الكتاب العربي لدار الخير في منطقة السلطان أحمد، وأختم الجولة الصباحية بزيارة أحد أرقى مكتبات إسطنبول التي توجت الحراك الفكري العربي بافتتاح أبوابها يوم أمس وهي مكتبة الشبكة العربية التي إتخذت من منطقة الفاتح مقرًا لها لتكون أحد أبرز وجوه الثقافة العربية في إسطنبول، حيث تقدم المكتبة كتبًا متنوعة المشارب لأكثر من 100 دار نشر، ويعتزم القائمين عليها على جعلها مكتبة حية تحتضن بشكل دوري نشاطات ثقافية إضافة لوجود قسم إضافي كمقهى يتيح لك مشروبًا ساخنًا أثناء تصفح الكتب مما يجعلها تجربة فريدة من نوعها في عالم المكتبات العربية في أرض السلاطين، أنصح بزيارتها لمحبي رائحة الكتاب العربي وكذلك القهوة.
الجميل في تجربة الحراك الفكري والمكاتب العربية في إسطنبول قدرتها أيضا على إستقطاب الأتراك المهتمين بالثقافة العربية، فمن الجميل أن أصادف اليوم عدد من الأتراك خلال تواجدي في مكتبة أو معرض كتاب عربي وهذه ظاهرة صحية يجب إستثمارها لبناء جسور مع الشعوب وإستخدام الفكر كعنوان للتواصل.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس