د. علي حسين باكير - صحيفة القبس
يُجري المسؤولون الأتراك عملية تقييم للأزمة التي اندلعت بين بلادهم والولايات المتّحدة مساء الأحد، في محاولة لفهم حقيقة ما جرى إثر إصدار السفارة الأميركية في أنقرة بياناً تشير فيه الى إيقاف تقديم خدمات الفيزا في كل مقار البعثة الدبلوماسية في تركيا.
جزء كبير من عملية التقييم يتوقّف على تحديد الجهة التي قامت بإصدار هذا القرار، وهو الأمر الذي لا يزال يخضع لتحليلات بانتظار إنشاء قناة اتصال بين المسؤولين الرفيعي المستوى في الخارجية التركية ونظرائهم في الولايات المتّحدة.
هناك من يعتقد بقوّة أنّ القرار الفجائي بإيقاف تقديم خدمات الفيزا في كل مقار البعثة الأميركية في تركيا لم يأت من واشنطن، وإنما من السفير الاميركي نفسه، وهذا ما يبرر الهجوم العنيف الذي شنّه الرئيس رجب طيب أردوغان على السفير جون باس خلال مؤتمر صحافي في بلغراد أمس الأول.
مؤيدو هذه النظرية يستندون الى أمرين؛ الأوّل أنّ وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون كان قد تحدّث مع نظيره التركي مولود تشاويش أوغلو قبيل ساعات قليلة من اندلاع الأزمة، من دون إبلاغه بأي معلومات عن قرار أميركي سيتم اتخاذه بهذا الخصوص، وقد أكّد الرئيس التركي وكذلك وزارة الخارجية الأميركية في ما بعد أنّ المكالمة بين الرجلين لم تتطرّق الى هذا الأمر.
وفي مثل تلك الحالة، من المنطقي الافتراض بأنّ الوزير الأميركي ما كان له أن يمتنع عن قول الامر لو كان يعلم به، ولا مبرر للاعتقاد بأنّ تيليرسون كان يعلم به، لكنه فضّل ألا يبلغ نظيره التركي بذلك؛ لأنّه لا يوجد ما يبرّر مثل هذا الافتراض.
أمّا الأمر الثاني، فهو يتعلق بنظرة بعض المسؤولين الأتراك الى شخصيّة تيليرسون.
هناك انطباع سائد لدى الدائرة الضيقة من صناعة القرار في تركيا بأنّ تيليرسون رجل صادق ومحترف ويمكن الوثوق به، على عكس الانطباع الذي كان قائما لديهم على سبيل المثال عن سلفه جون كيري، حيث كان البعض يطلق عليه سرّاً لقب «الكذّاب».
لقد ترسّخ هذا الانطباع التركي عن تيليرسون إبّان الازمة الخليجية الأخيرة مع قطر، ومؤيدو هذه النظرية يعتقدون أنّه من غير الممكن أن يكون تيليرسون هو من يقف خلف هذا القرار الذي يؤدي الى تدهور العلاقة مع أنقرة؛ لأنّه حريص جدّاً على أفضل العلاقات معها.
ما يعزّز من هذه الفرضية انّ السفير الاميركي جون باس كان يحضّر لإجراءات انتهاء مهامه قبل ايام قليلة من التوتر في العلاقات بين البلدين، وقد ارتكب كثيراً من الاخطاء التي أدّت الى فشل الإيجاز الأخير له، واندلعت حرب كلامية بينه وبين الصحافة التركية، إثر سحب دعوة إحدى الصحافيات بسبب خبر تمّ نشره في الصحيفة التي تعمل بها.
كبش فداء؟
وقد أعلن الرئيس التركي انّه لم يقُم باستقبال السفير الاميركي بمناسبة انتهاء مهامه، وكذلك الامر بالنسبة الى رئيس البرلمان والوزراء.
لكن وحتى الآن، من غير المعروف ما اذا كان تحميل جون باس المسؤولية عن اندلاع الازمة هو بمنزلة ايمان حقيقي بانه افتعلها أم انها الطريقة الوحيدة لوضعه في موضع كبش الفداء، من خلال تحميله المسؤولية عن الأزمة، وبالتالي تصحيح العلاقة مع واشنطن فور انتقاله ومغادرته تركيا من دون أن يلحق الضرر بالعلاقة بين المسؤولين الاتراك ونظرائهم الاميركيين على المستوى الرفيع.
في المقابل، يشوب مثل هذه النظرية بعض الثغرات، فمن النادر، إن لم نقل من غير الممكن، أن يعود قرار بهذا المستوى والحجم الى شخص السفير واجتهاده من دون العودة الى المركز للتشاور، لكن هذه الحقيقة تتعارض بدورها مع الفرضية القائلة ان تيليرسون ما كان له أن يتخذ قرارا يتسبب في أزمة مع تركيا.
على أي حال، المتحدث باسم الخارجية الأميركية أكّد في ما بعد انّ القرار اتّخذ بالتشاور مع الخارجية والبيت الأبيض ومجلس الأمن القومي.
من الواضح أنّ الجانب الأميركي يريد دعم سفيره بغض النظر عمّا اذا كان القرار قد اتّخذ من جانبه بالفعل كما يعتقد البعض أم لا.
لكن اذا كان القرار قد اتخذ بالفعل بالتشاور بين كل هذه الجهات، فهذا يطرح تساؤلات كذلك حول مدى دقّة الانطباع التركي عن المسؤولين الأميركيين وتحديداً عن كل من ترامب وتيليرسون، وعمّا اذا كان للأخير دورٌ فعال في الأزمة أم انّ القرار جاء من جهة أمنيّة أو ربما من الرئيس مباشرة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس