بيرجان توتار – صحيفة صباح – ترجمة وتحرير ترك برك
الحروب والفوضى والأزمات على الأطراف انتقلت إلى المركز، والاقتتال متعدد الأطراف في الشرق الأوسط أصبح مشكلة بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا. ومع تداعي البلد المركزي الولايات المتحدة، بدأ مشروع الاتحاد الأوروبي بالتصدع.
بدأت أجراس الخطر تقرع بالنسبة لاقتصادات الدول المحورية كألمانيا، في حين أخذت الأزمة في منطقة اليورو تأتي على مشروعية أحزاب الوسط الحاكمة في أوروبا.
وبعد الولايات المتحدة، أصبح من غير الممكن وقف زحف الأحزاب الفاشية الجديدة المستترة عنصريتها خلف مقولة "اليمين البديل أو الشعبوي"، نحو الحكم في أوروبا.
وتدريجيًّا بدأت بريطانيا، عقب انفصالها عن الاتحاد الأوروبي من خلال البريكست، بالابتعاد عن الولايات المتحدة خلال المرحلة الجديدة.
وعوضًا عن زعماء مقربين من البيت الأبيض من أمثال توني بلير سيحل جيريمي كوبراين، المناوئ لأمريكا في رئاسة حزب العمال. أما المحافظون، قرة عين الولايات المتحدة، فهم يتباهون بالعلاقات الخاصة جدًّا التي أقاموها مع الصين.
وحتى في أوروبا، تقف الولايات المتحدة، التي انهارت "هيمنتها القائمة على القبول" (مشروعيتها)، أمام خيارين. إما الانعزال المتوافق مع شعار دونالد ترامب "أمريكا أولًا"، والذي يقترح تعليق مغامرات ما وراء البحار لفترة معينة، أو التوصل، بموجب الخيار الثاني، إلى توافق جديد مع القوى العظمى، بمعنى تقاسم جديد للعالم.
قسم البحوث التابع للكونغرس الأمريكي أعد تقريرًا في 3 أكتوبر 2017، طالب فيه بمواصلة السياسات الخارجية الإمبريالية المستمرة بنجاح منذ 70 عامًا، رغم أنف البيت الأبيض.
التقرير المعنون بـ "دور الولايات المتحدة في العالم" يقول: "سياسة بلدنا الرئيسية (الاستراتيجية الكبرى) تهدف لمنع ظهور قوة مهيمنة في منطقة أوراسيا الممتدة من البرتغال في الغرب إلى اليابان في الشرق، ومن روسيا في الشمال إلى الهند في الجنوب"، منتقدًا بشدة سياسة ترامب "أمريكا أولًا".
حتى أقرب حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا لا يريدونها، ناهيك عن القوى الراغبة بالتغيير كروسيا والصين وتركيا. والمثال الأخير على ذلك بدا في الموقف الأوروبي من قرار ترامب تعليق الاتفاق النووي مع إيران.
فالاعتراض الأول جاء من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، ورغبة الولايات المتحدة بالانسحاب إلى حدودها ناجمة عن ضغوط السياسة الواقعية العالمية، أكثر منها خيار أمام الإدارة الأمريكية.
تظهر الانقلابات والحروب الأهلية والعقوبات الاقتصادية ومشاريع تشكيل دويلات عبر استراتيجية الإرهاب، التي تنفذها واشنطن ضد البلدان المستهدفة في أوراسيا وفي طليعتها تركيا وروسيا والصين، أن الولايات المتحدة أصبحت مصدر الخطر الأكبر ومشكلة أمنية في العالم.
وبالنتيجة، فإن الولايات المتحدة، التي تلعب على خريطة القوى العالمية في الوقت الضائع، تسعى لإدامة نفوذها عبر أساليب مافيوية. وكلما فقدت مشروعيتها لجأت إلى العنف والإرهاب بشكل أكبر.
فإذا لم تنعزل برضاها، سوف ينبذها العالم في وقت قريب ويعاملها معاملة المصابين بالجذام. ولم يبق على قدوم تلك الفترة إلا وقت قصير.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس