د. سمير صالحة - المدن
يقال أن التحركات الروسية المتسارعة في التعامل مع الملف السوري هي مقدمة للاعلان عن رؤية جديدة للكرملين هدفها تحقيق أكثر من انجاز يكرس النفوذ والهيمنة الروسية في صناعة صيغة الحل والتفاهمات المحلية والاقليمية هناك بعدما نجح الرئيس فلاديمير بوتين في تسجيل اكثر من هدف في مرمى جميع اللاعبين دون استثناء .
موسكو وكما يرى العديد من المعنيين والمتابعين استطاعت في الاشهر الاخيرة :
-حرق الكثير من اوراق المعارضة والنظام في سوريا والزامها بالجلوس أمام طاولة الحوار التي فرضتها في الاستانة ،
-الامساك بزمام الامور في جنيف والاستانة وتحويلهما نحو خدمة مشروعها الجديد البديل في " مؤتمر الحوار الوطني " تحت شعار جلب الجميع الى سوتشي واشراكهم في المصالحة الوطنية واتفاقيات مواصفات المرحلة الانتقالية ،
-والاعلان بالفم الملان انها استعادت مكانتها كدولة عظمى في العالم، وأنها جاهزة لعقد الصفقات مع الكبار والمساومة على شكل النظام الدولي الجديد، وابلاغ واشنطن انها فشلت في خطط محاصرتها بورقة استخدام العقوبات ضدها ، والاعلان أن الرد الروسي على واشنطن سيكون مباشرة عبر لعب اوراق من تعتبرهم الادارة الاميركية حلفاء لها في المنطقة مثل تركيا والسعودية واسرائيل بعد صفقات السلاح وخطط الطاقة الاستراتيجية والاسواق المشتركة مع هذه الدول .
موسكو بعد الان تريد :
-تضييق هامش النفوذ التركي والايراني في سوريا ،
-المساومة مع واشنطن على لعب الورقتين التركية والايرانية لصالحها في المشهد السوري ،
-وضع كافة اللاعبين المحليين في الحكم والمعارضة السورية تحت جناحيها والزامهم بقبول ما تقول ،
فرض رسم خريطة مستقبل سوريا السياسية والدستورية والعرقية كما تريدها هي على طاولة المفاوضات والصفقات المرتقبة مع واشنطن ،
-والانخراط في مساومات اقليمية أوسع مع الادارة الاميركية حول ايران والعراق وتركيا والملفات الكردية والحرب على الارهاب .
بوتين على يقين:
أنه قادر على اقناع انقرة وطهران بتبني الطروحات والحلول الروسية في سوريا كونها ستخرج البلدين من حالة احتقان وتوتر دائم وتنقذهما من صرف مليارات الدولارات على هذا الملف ،
وأنه بات من حقه الحصول على جائزة ترضية اميركية ثمينة وهو يساوم على تقديم الوجبة الايرانية لواشنطن باتجاه تضييق الخناق على طهران وتقليم اظافرها الاقليمية في سوريا والعراق ولبنان ،
وأنه يتطلع صوب جائزة ترضية اكبر وهو يفاوض ترامب على سياسة تركية اقليمية جديدة تاخذ بعين الاعتبار ما تقوله موسكو وتتجنب اغضابها بعد حادثة اسقاط المقاتلة الروسية وعودة انقرة الى الحضن الروسي طالما ان واشنطن اختارت لنفسها حلفاء محليين واقليميين جدداً .
التحرك العسكري التركي في محافظة إدلب شمالي سوريا في إطار تفاهمات الأستانة ، لا يمكن فصله عن الخطة الروسية في موضوع وضع خريطة الانتشار والحلول في مسار الازمة السورية اذا لم نشأ تبني مقولة أن انقرة قبلت صيغة الحل هذه تحت المظلة الروسية في سوريا،
كما أن اطلاق جولة جديدة من مفاوضات السلام الهادفة لإنهاء النزاع السوري في جنيف اعتباراً من 28 تشرين الثاني / نوفمبر المقبل ، وتأكيد وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون قرب انتهاء عهد أسرة الأسد في سورية رسائل يمكن تفسيرها بمنطق واحد لا بديل له حول أن التفاهمات الاميركية الروسية قائمة وهي ستظهر الى العلن في القريب العاجل
تفهم المبعوث الدولي دي ميستورا للحراك الروسي وتقدير جهود موسكو المبذولة على كافة الصعد ودعوته المتكررة لقيادات المعارضة السورية لتكون اكثر واقعية وعملية امام طاولات الحوار والتفاوض، وظهور بريت ماكغورك المـوفد الرئاسي الأميركي إلى التحالف الدولي لمكافحة داعش بصحبة رجل المهمات الاستثنائية في السعودية الوزير ثامر السبهان على مرأى ومسمع عبد الله اوجلان الذي كان حاضرا في احتفالات تحرير الرقة بصورته العملاقة التي اختيرت بدقة واحتراف اميركي روسي لتسهل لانقرة وطهران قراءة معالم المرحلة المقبلة في سوريا .
كلها مؤشرات تلتقي حول قناعة تكاد تقول ان الخطة الروسية الاميركية تقوم على وضع كل الحلول والقرارات في سلة واحدة وامام منصة موحدة تجمع جنيف والاستانة ومؤتمر الحوار الوطني معا ضمن تفاهم ثنائي على تقاسم خرائط الطاقة وخطط مواجهة الارهاب بمعالمه الجديدة واعداد مشاريع وشكل طاولات حلول الازمة السورية سياسيا ودستوريا .
في الجانب الاخر وردا على قناعة ان روسيا احرقت اوراق الجميع في سوريا نرى :
الائتلاف الوطني السوري المعارض والهيئة العليا للمفاوضات يقولان انهما لن يشاركا في مؤتمر سوتشي ، ويعتبران أن أي مفاوضات مع النظام خارج إطار جنيف أو دون رعاية الأمم المتحدة ستكون حوارا بين النظام ونفسه ،
ويبرز موقف تركي جديد يردد ان انقرة ترحب بلقاء الحوار السوري الذي تريده موسكو لكنها تعلن عن تحفظها على دعوة موسكو لممثلي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي للمشاركة في المؤتمر ، مصحوباً بحقيقة أن تركيا لن تفرط بما تملكه من نفوذ وعلاقات مع قوى المعارضة السياسية والعسكرية ومنها الائتلاف السوري والجيش الحر ارضاء لموسكو ،
وتظهر مواقف غربية عديدة تقول انها مع الحوار في المسألة السورية لكن في اطار تفاهمات واضحة مبنية على قرارات الامم المتحدة المعروفة حول الازمة السورية بعيدا عما تقوله موسكو حول ان التوصل إلى تسوية سياسية في سورية بات ممكناً مع استعداد الأسد لإعداد دستور جديد وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية باشرافه ،
وتكشف طهران النقاب عن انها تدعم التحرك الروسي طالما انه لا يمس سياستها السورية ويتحول الى مساومة على مصالحها ومصالح حلفائها المحليين هناك ،
وتعلن اصوات اميركية كثيرة ان الاستعجال الروسي في سوريا قد يتحول الى تسرع ولا يمكن تهميش ادوار وقمم ومؤتمرات وقرارات اممية بهذا الشكل وانه على الكرملين ان يقبل في نهاية الامر ان اميركا ما زالت الدولة الأولى والأقوى في العالم .
روسيا تريد المساومة على التموضع الاميركي الاقليمي وهذا ما تعرفه واشنطن جيدا لذلك هي تريد العودة الى المشهد السوري ببطء وهدوء ودون الكثير من عرض العضلات والتحدي والاستفزاز .
روسيا تريد كل شيء في سوريا واهم ما تريده هو فرض شرعية النظام بعد تلميعها .
الن يتحمل احد مسؤولية تدمير سوريا ومقتل مئات الالاف وتشريد الملايين ؟ ثم هل سيخيف الاسلوب الفوقي الروسي " من لا يحضر إلى سوتشي سيجد نفسه مهمّشا " ، الذين غامروا بكل شيء من اجل حريتهم وضحوا بالكثير مقابل عيش ابنائهم بكرامة في سوريا الجديدة ؟
روسيا تريد اشراك حزب الاتحاد الديمقراطي في الحوار وتقول للأتراك انها مسألة سورية بحتة ، لكنها ستجد صعوبة في اقناع تركيا بقبول ذلك طالما ان هذا الحزب يتباهى بفكر وعقيدة اوجلان الذي تعتبره العواصم الغربية قبل انقرة نفسها رجلا قاد عمليات القتل والارهاب ضد الاف المواطنين الاتراك.
خيارات روسيا باتت شبه محدودة في سوريا وهي تحتاج للخروج من مازقها إلى دعم اميركي واوروبي وتريد الحصول عليه بالقوة وعرض العضلات والتحدي فهل يكون لها ذلك ؟
حملت واشنطن مؤخرا روسيا باستخدامها حق النقض في مجلس الامن مسؤولية حماية النظام السوري وهي بذلك تكون مرة أخرى قد انحازت إلى جانب " الديكتاتوريين والإرهابيين الذين يستخدمون الأسلحة المحظرة دوليا ضد المدنيين السوريين في خان شيخون .
هل يمكن للادارة الاميركية ان تطلق يد موسكو على هذا النحو في سوريا وهي توجه لها اتهامات من هذا النوع؟" .
من الأفضل أن نحاول أيضا قراءة ما يجري بطريقة مغايرة تعكس حجم الورطة الروسية في الملف السوري ووصولها الى طريق مسدود يدفع موسكو للقفز الى الامام في عملية انتحارية تحرق اوراقها واوراق الجميع في سوريا على طريقة " علي وعلى أعدائي " . ابتلاع الكعكة السورية ليس بمثل هذه البساطة لا روسيا ولا اميركيا كما يبدو .
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس