ترك برس
يشير المعلق السياسي التركي، سميح إيديز، في موقع المونيتور الأمريكي إلى أن تركيا رغم حالة البهجة التي تعيشها بعد هزيمة قوات البشمركة الأكراد العراقيين، والمعارضة الأمريكية والأوروبية للاستفتاء باسم الحفاظ على وحدة العراق، فإن الموقف الروسي الملتبس من الاستفتاء، وتصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول رؤيته لمستقبل سوريا، تثير قلقا لدى أنقرة.
وخلال الاستفتاء أكدت موسكو التزامها بوحدة العراق غير أنها أضافت أنها "تحترم التطلعات الوطنية للأكراد"، وهذا ما لم تُرِد أنقرة سماعه. وقبل بضعة أسابيع من إجراء الاستفتاء قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في مقابلة مع صحيفة كردية: "يجب تلبية رغبات الأكراد وأهدافهم المشروعة شأنهم في ذلك شأن جميع الشعوب الأخرى، وأن أهداف الاستفتاء يجب أن تتحقق بطريقة سلمية... مع أخذ آراء الدول المجاورة للعراق في الاعتبار".
المسألة الأساسية بالنسبة إلى أنقرة، على الرغم من "التزام موسكو الراسخ" بوحدة العراق، هو أن روسيا لا تعارض التطلعات السياسية الكردية، في حين تنظر أنقرة إلى أي شكل من أشكال الحكم الذاتي على أنه تهديد لتركيا التي تتخوف من التأثير الذي سيمارسه ذلك في الأكراد على أراضيها.
ومن التطورات الأخرى التي أثارت قلق أنقرة الاتفاق الذي أبرمته شركة النفط الروسية الكبرى "روس نفت" مع حكومة إقليم شمال العراق الأسبوع الماضي للسيطرة على ستين في المئة من خط أنابيب نفطي أساسي في شمال العراق، وزيادة استثماراتها في المنطقة إلى 3.5 مليارات دولار أمريكي. عقد الاتفاق دون علم بغداد، بعد الاستفتاء الكردي، ويشكل تحديا للتهديدات التركية بعزل حكومة الإقليم وفرض حصار عليها عبر إغلاق الحدود التركية مع شمال العراق، بهدف إرغام أربيل على إبطال نتائج الاستفتاء.
يعتقد السفير التركي المتقاعد، أونال تشيفيكوز، أن الخطوة الروسية وجهت ضربة قوية للمصالح التركية في شمال العراق. وخالف تشيفيكوز التفكير الرسمي في أنقرة، معتبرا أن استحواذ بغداد من جديد على كركوك سوف يساهم في تحفيز الاندفاعة الكردية العراقية نحو مزيد من الحكم الذاتي.
تحاول أنقرة أيضا رصد تداعيات السياسات الروسية في العراق على مستقبل سوريا وأكرادها الذين يحصلون على الدعم من روسيا، فضلاً عن مؤازرة شديدة من الولايات المتحدة.
ويشير تشيفيكوز إلى أن أنقرة وموسكو لا تتفقان تماما في سوريا، على الرغم من تعاونهما الظاهري هناك. فالإصرار التركي على الحفاظ على وحدة الأراضي السورية يستند في شكل أساسي إلى رغبة أنقرة في قيام حكومة مركزية قوية قادرة على كبح التطلعات الكردية. كما ترفض أنقرة أن يكون للأكراد الذين يتحركون تحت راية "وحدات حماية الشعب" و"حزب الاتحاد الديمقراطي" أي رأي بشأن مستقبل سوريا.
ويلفت إيديز إلى أن أنقرة سبق أن أبدت امتعاضها من قيام موسكو بوضع مسودة دستور لسوريا في وقت سابق من العام الجاري، خلال الاجتماع الأول في أستانة، حيث اقترحت المسودة الروسية منح الأكراد حكما ذاتيا. وعلاوة على ذلك ترفض موسكو، تصنيف حزب العمال الكردستاني في خانة التنظيمات الإرهابية، وقد سمحت لحزب الاتحاد الديمقراطي بأن يحتفظ بممثل عنه في العاصمة الروسية.
غير أن التصريحات التي أدلى بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأسبوع الماضي حول رؤيته لمستقبل سوريا، أثارت بعض التوجس لدى أنقرة، حيث تحدث عن فكرة "الدعوة إلى عقد مؤتمر للشعب السوري، يضم المجموعات الإثنية والدينية كافة، الحكومة والمعارضة". كما أشار المتحدث باسم بوتين إلى أن المؤتمر المقترح هو موضع نقاش جدي وناشط.
ويعلق إيديز بأنه إذا استمرت هذه النزعة، فمن شأن الفكرة التي يطرحها بوتين عن عقد مؤتمر يطلق عليه اسم "كونغرس الشعب السوري"، أن تدرج على جدول الأعمال بوتيرة أسرع مما هو متوقع.
كذلك تدرك أنقرة أن واشنطن لا تعارض فكرة حصول الأكراد السوريين على الحكم الذاتي، شرط أن يحدث ذلك في إطار سوريا موحدة. وقد تحدث بوتين عن تعاون راسخ مع الولايات المتحدة في سوريا.
ويعتقد مراد يتكين من صحيفة حرييت أن موسكو تحاول الضغط من أجل فرض حكم ذاتي كردي معزز في العراق وسوريا، عند الحدود التركية. ويلفت في هذا الإطار إلى أنه "إذا حظي هذا الموقف بالدعم من الولايات المتحدة، فقد يتسبب ذلك في تفاقم المشكلات القائمة أصلا بين أنقرة وواشنطن".
هناك عوائق كبيرة، كما يقول إيديز، يجب تخطيها قبل التمكن من عقد المؤتمر الذي تقترحه روسيا. وهذه العقبات التي تعترض هذا الأمر تصب في مصلحة أنقرة، لأن من شأن ذلك أن يؤدي أيضاً إلى تأخير العمل على صياغة دستور جديد يتضمن إشارة إلى الحقوق الكردية. غير أن استمرار النزاع لفترة طويلة قد يتيح للأكراد ترسيخ مكاسبهم في سوريا بدعم أمريكي وروسي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!