أحمد عبد الرحمن - خاص ترك برس
استكمالاً لمحاولات ربط شطري عاصمة الخلافة العثمانية إسطنبول جرت في عهد الخليفة العثماني عبد المجيد الأول محاولة أخرى. في هذه المرة كانت الفكرة مختلفة عما سبقها فريدة من نوعها، ففي العام 1860 وبناء على طلب السلطان عبد المجيد الأول، وضع المهندس الفرنسي س. بريلتا مخططاً لقناة تحت مياه البوسفور بداخلها سكة حديدية تربط بين ضفتي المضيق، كان من المقرر أن يدخل القطار من سيركيجي في الطرف الأوروبي ويتابع ضمن النفق ليخرج من أسكودار في الطرف الآسيوي، أعطي المخطط اسم "القنال البحري".
لكن مع الأسف لم يبصر مشروع القناة النور وبقي حبراً على ورق لأن الظروف الاقتصادية والأمنية الصعبة في ذلك الوقت حالت دون محاولة تطبيقه على أرض الواقع.
في عهد السلطان عبد الحميد الثاني بدأ التفكير بإنشاء جسر فوق البوسفور وكان ذلك خلال الحرب الروسية العثمانية 1878م، لكن لم تصبح مخططات المشروع جاهزة للتنفيذ إلا في العام 1900م حيث تقرر إنشاء جسر معلق بطول 600م بين قلعة أناضولو وقلعة روملي في أضيق منطقة من البوسفور، هذا المشروع يذكرنا بجسر السفن الذي أنشأه داريوس في العام 500 قبل الميلاد في نفس المنطقة كما رأينا في مقال سابق. اعتبر هذا المشروع مكملاً لسكة حديد إسطنبول - بغداد، والتي وصلت بين مدينة إسطنبول بجزئها الآسيوي ومدينة بغداد بولاية العراق والتي تم إنشاؤها قبل ذلك بفترة قصيرة.
أعطي الجسر المزمع انشاؤه اسم "الجسر الحميدي"، وهو أول جسر فوق البوسفور تتم الموافقة على إنشائه في تاريخ الهندسة العثمانية. وقد قال المهندسون الألمان المشرفون على هذا المشروع أن الجسر سيصبح بعد تنفيذه أثراً عظيماً يظهر قوة السلطان عبد الحميد في العالم أجمع.
كان من المقرر بناء الجسر بحيث يكون متموضعاً فوق مياه البوسفور على ثلاثة قواعد من الجرانيت تستند إلى قاع المضيق، وفي قمة كل قاعدة تقرر إنشاء بناء يشبه الجامع، حيث يتضمن في وسطه قبة لها نوافذ في جميع الاتجاهات، وحول القبة توجد أربعة أبراج على هيئة مآذن، ويتم الربط بين هذه الأبنية بواسطة أسلاك معدنية أفقية ويجري ربط هذه الأسلاك الأفقية مع الجسر بوساطة أسلاك عمودية، ويكون البناء مفتوحا من جهتين للسماح بمرور القطار بين الضفتين، ويتم تزيين القباب وفق النمط السلجوقي، أما على ضفتي البوسفور فيقام عمودان في كل طرف، يتم شدهما بالأرض من جهة اليابسة، ومع الجسر من جهة البوسفور بكابلات معدنية بحيث تساهم هذه الأعمدة في حمل الجسر. ولحماية الجسر فقد تقرر إقامة نقاط مراقبة في أبراج الجسر على أن تزود بأضواء كاشفة من أجل الإضاءة ليلاً، وبداخل القبة توضع أسلحة مدفعية تخرج سبطاناتها من نوافذ القبة عند أي هجوم. وكان الجسر مرتفعاً عن سطح الماء لحد يسمح للسفن بالمرور تحته.
في نفس الوقت أعيد التفكير بإنشاء قناة تمر تحت سطح المياه في البوسفور حيث عرض ثلاثة مهندسين أمريكيين هم فريدريك ستورم وفرانك ليندمان وجون تيلليكرين في العام 1902م على السلطان عبد الحميد مشروع سكة حديد تربط ساراي بورنو في الجانب الأوروبي بسالاجاك في الشطر الآسيوي وتمر هذه السكة في مياه البوسفور ضمن أنبوب مستند إلى 16 قاعدة، وتقرر ان يتكون القطار من قاطرتي ركاب وواحدة للبضائع.
وللأسف ولأسباب اقتصادية وأخرى سياسية مثل تخلّي السلطان عبد الحميد عن العرش طويت صفحتا المشروعين لفترة طويلة من الزمن إلى أن أعيد فتحهما أواخر القرن المنصرم وأوائل القرن الحالي.
ففي العام 1986 أقيم جسر فوق البوسفور أعطي اسم جسر السلطان محمد الفاتح، وهو وإن اختلف تصميماً عن الجسر الحميدي فإن مكان تنفيذه لم يتغير عما كان عليه أيام السلطان عبد الحميد الثاني. أما القناتان البحريتان للسلطانين عبد الحميد وعبد المجيد فقد جرى تنفيذهما مع افتتاح المرحلة الأولى لنفق مرمراي عام 2013م والتي ربطت بين منطقتي زيتون بورنو على الجانب الأوروبي وكادي كوي على الجانب الآسيوي. ويمكن لمستخدم نفق مترو مرمراي أن يشاهد على أحد الجدران في محطة يني كابي رسماً تخطيطياً للجسر الحميدي، وسيرى صورةً للسلطان عبد الحميد الثاني الذي لم يخطط لإنشاء القناة البحرية والجسر الحميدي فحسب بل كانت له مشاريع أخرى في مناطق متعددة غير البوسفور...
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!