د. زهير حنيضل - خاص ترك برس
احتضنت تركيا أكبر عدد من اللاجئين السوريين الفارين من ويلات الدمار والموت ضمن الحملة البربرية الهمجية للنظام الأسدي ضد الشعب السوري الثائر عليه وعلى تسلطه وفساده، اكتمل المشهد بعمليات فرار لاحقة من إفرازات النظام الأسدي المتمثلة بظهور داعش و ما تلاها من موجات نزوحٍ كبيرة، ومن ثم عمليات التهجير القسري التي قامت بها ميليشيات العمال الكردستاني الإرهابية المتسترة خلف اسم "PYD" في سورية، حيث هجرت هذه العصابات الإرهابية الأكراد قبل سواهم من العرب والتركمان والآشوريين والسريان.
فقد فر عدد كبير من الأكراد هروباً من التجنيد الإجباري والتسلط الذي تمارسه هذه العصابات عليهم، بالإضافة لنزوح أعداد هائلة من العرب والتركمان والآشوريين والسريان جراء عمليات التطهير العرقي التي قامت بها تلك العصابات في المدن التي احتلتها تحت ذريعة الحرب على داعش.
الوضع القانوني للسوريين في تركيا
بالعودة إلى تركيا، وعلى مدار 6 سنوات من الثورة السورية لم تكن هناك رؤية واضحة لمستقبل السوريين المقيمين بصفة لاجئ في تركيا، فقد استصدرت القوانين لتكون مرحلية، فتطور الوضع القانوني للاجئ السوري في تركيا من ضيف إلى أجنبي إلى لاجئ تحت الحماية المؤقتة.
عملية التجنيس للسوريين في تركيا
قبل عام بدأت الحكومة التركية بعملية تجنيس للسوريين المقيمين على أراضيها وكانت آلية التجنيس لشريحة دون سواها.
بدأت عملية التجنيس بتوجيه رسائل عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني لشريحة تضم "العاملين في سلكي الصحة والتعليم بالإضافة للتجار أصحاب الشركات ورؤوس الأموال المستثمرين في تركيا"، وبالفعل، وخلال مدة لم تتجاوز 9 أشهر حصلت تلك الفئة على الجنسية التركية.
المرحلة الثانية، انطلقت لتشمل الطلاب السوريين في تركيا؛ فتلقوا رسائل ممائلة للتي تلقاها من سبقهم من السوريين الذين حصلوا على الجنسية التركية بذات الطريقة.
إن عملية تجنيس السوريين من وجهة نظري غير كافية لحل عادل لجميع السوريين، وهي تفتح الباب على احتجاج داخلي على مستوى الشارع التركي رأينا أصداءها على لسان أعلى المستويات في المعارضة الداخلية التركية، كما تم استخدام ملف التجنيس للسوريين ضد الحكومة التركية لتأليب الشارع التركي ضدها.
بالعودة لوجهة نظري التي أرى من خلالها أن عملية التجنيس غير كافية:
إن أكبر مأساة عاشتها وتعيشها المنطقة هي القضية الفلسطينية العادلة المغيبة في المحافل الدولية، وهي تجربة كان بالإمكان أن تحذو تركيا فيها حذو الدول العربية التي استقبلت الأخوة الفلسطينيين، فقد منحتهم ثبوتيات تتيح لهم الحياة بكل أريحية في تلك البلدان دون حقيّ الترشح والانتخاب، أي أن الفلسطيني في سورية - على سبيل المثال - يستطيع الحياة بكل المجالات لا فرق بينه و بين السوري، مع فارق وحيدٍ يكمن في عدم أحقية الفلسطيني للترشح أو الانتخاب ضمن مجالس البلديات أو مجلس الشعب، وبما يضمن له البقاء فلسطينياً مطالباً بحقه في أرضه والعودة إليها.
بالعودة للمسألة السورية:
بعد اجتماع فيما يسمى "مجلس الشعب" في سورية، أثيرت مسألة تجنيس السوريين في تركيا، و الدستور السوري الحالي يخول حكومة نظام الأسد المجرم إسقاط الجنسية السورية عن كل من حصل على الجنسية التركية، و ذلك بموجب مادتين في الدستور:
- لا يحق للمواطن السوري اكتساب جنسية دولة تعتبر سورية في حالة عداء معها، ولا يخفى على الجميع أن نظام الأسد المجرم يعتبر تركيا دولة معادية له.
- لا يحق للمواطن السوري اكتساب جنسية أخرى دون إبلاغ وزارة الداخلية السورية للحصول على التصريح بالموافقة على حصوله على جنسية بلد آخر.
كان بالإمكان الاستعاضة عن عملية التجنيس التي ابتدأتها الحكومة التركية - مشكورةً - بمنح إقامة لجوء إنساني للسوريين في تركيا مع منحهم وثائق سفر كتلك التي يحملها الإخوة الفلسطينيون المقيمون في سورية، بحيث تمكنهم من السفر من وإلى تركيا دون قيود.
كما أن لمنح السوريين إقامات إنسانية لمدة سنة قابلة للتّجديد تلقائيّاً وفقاً لما تفضي إليه الحال في سورية، أن يحل مشكلة الإقامة في تركيا للسوريين، فقسم كبير منهم لا يحمل سوى بطاقة الحماية المؤقتة ولا يستطيع الحصول على الإقامة السياحية بسبب القوانين التركية التي تشترط وجود ختم دخول على جواز السفر بحيث لا يكون قد مرّ عليه أكثر من 90 يوما، مما يعني عدم قدرة شريحة كبيرة جدا من السوريين على الحصول على الإقامة السياحية بسبب القوانين التركية، خاصة بعد فرض الفيزا على السوريين للدخول إلى تركيا، كما أن شريحة واسعة من السوريين لا يمكنها الحصول على تلك الإقامة حتى في حال رفع شرط وجود ختم جديد على جواز السفر، إما لعدم لامتلاكهم لجواز سفر ولصعوبة الحصول عليه حاليا، أو لعدم قدرتهم المادية على دفع تكاليف تلك الإقامات فهم - في أغلبيتهم - أيادٍ عاملة بالكاد تملك قوت يومها.
شكراً تركيا... ولكن!:
شكراً تركيا، ولكن كان بالإمكان أن يحل الأمر بطريقة أفضل والمساواة بين جميع شرائح السوريين؛ فالسوريون أصحاب التحصيل العلمي الجامعي الذين فروا من بطش نظام الأسد ليسوا أفضل من المواطن السوري العادي المزارع أو العامل، وفي القوانين الإنسانية جميعهم سواسية.
أفرزت عملية تجنيس شريحة من السوريين دون سواهم امتعاضاً واسعاً لدى فئات أخرى غير مشمولة بالعملية، مما ولد شرخاً بين بعض السوريين أنفسهم، وصل إلى حدّ الضغينة والبغضاء من جهة، والاستعلاء من جهة أخرى، مع اختلاف الأسباب والأهداف والتعليل.
كنت قد كتبت - غير مرة - مناشداً الحكومة التركية بتخفيف العبء عن السوريين في تركيا، بتسهيل أوضاعهم خاصة تلك المتعلقة بالإقامات فقد بات السوري يشعر أنه في سجن كبير، فهو غير قادر على زيارة أهله في الدول الأخرى التي تسمح للسوريين بزيارتها وتمنحهم تأشيرات دخول إليها، ولا أهله قادرون على زيارته في ظل الشروط الصعبة التي فرضت للحصول على الفيزا التركية.
أتمنى أن تعيد الحكومة التركية النظر في مسألة التجنيس، وأن يصار لتخيير المواطن السوري في تركيا بين التجنيس، أو منحه ثبوتيات كتلك التي يحملها الإخوة الفلسطينيون في سورية، بما يضمن له الحياة والعمل والسفر بلا قيود مع بقائه سورياً.
كل الشكر لتركيا على هذه الخطوة الجريئة، والتي كلفتها على الصعيد الداخلي تجاذبات عديدة واستغلها البعض من المعارضة التركية الداخلية للعب على وتر الطعن بأداء الحكومة التركية.
أكتب من دافع البحث عن الحلول التي تفيد السوريين - كل السوريين - في تركيا، بما يضمن عدم المساس بسيادة تركيا كدولة جارة مستضيفة ويمنع التجاذبات الداخلية فيها، ويقطع دابر أي محاولة لاستغلال المسألة السورية من قبل أطراف لا تخفي ودها لنظام الأسد وتعمل "ليل - نهار" على إذكاء نار العداء تجاه السوريين في تركيا، ناهيكم عن وجود عناصر سورية مخربة مدسوسة في صفوف السوريين في تركيا تساهم بين الفينة والأخرى في إعادة إشعال هذه النار كلما أخمدتها الحكومة التركية بحكمتها المعتادة وبفضل وعي المجتمع التركي الشقيق ودعمه لجيرانه السوريين.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس