خلود الخميس - الأنباء القطرية
عندما طرحنا تساؤلا في مقال سابق «من لميراثنا في الأرض المباركة؟» لم يكن الغرض منه استفهاما بل تقريرا، فنحن المسلمين أولى بالحفاظ على موروث الأمة الإسلامية.
بعد أن سقط الأقصى في أيدي الصهاينة عبر مشروع سايكس ـ بيكو الاستعماري الشامل للأراضي الإسلامية، وبدأت الاتفاقات الجانبية والسرية، وقف المسلمون مشدوهين من هول المفاجأة وأصمتهم دوي السقوط للخلافة العثمانية طويلا.
وما كان لنا البقاء في دائرة الصدمة مائة عام حتى نفيق على ذل وانبطاح لمفهوم التمدن والثقافة والحضارة التي تبناها الغرب، ضمن مشروع الاستعمار الفكري الموازي للجغرافي والذين فازوا فيه وبتفوق، لتبديل قيمنا ومفاهيمنا وثوابتنا لتصبح كما يتلاءم مع خاصتهم.
نعرف كيف أسموا جهادنا المستحق إرهابا وهمجية، وكيف جعلوا من غنانا عوزا لنا وثراء لهم، وحولوا خيراتنا سخريا لنعيمهم وجحيمنا، نعرف تماما ان الاستعمار الجغرافي لم يغادر حتى تيقن ان الاستعمار الثقافي واحتلال العقول تم بنجاح وان هذه الأمة ستخدر من الداخل وبفعل أبنائها لقرن أو قرون.
ولكنهم لم يحسبوا حساب المدبّر لكل شيء ومالِك المُلك.
نعم، الأمة ديست لمائة عام، ولكن ليست كلها قابلة للبقاء تحت الأحذية، فقد بقيت عصابة ترفع لواء «لا إله إلا الله» بالحق، ومازالت تقف عند ثغور الإسلام مدافعين ودافعين وقريبا فاتحين: سياسيا، اقتصاديا، اجتماعيا، وعسكريا، الأمة بخير وان مرضت قرنا فقد كانت في صحتها نحو أربعة عشر قرنا سبقت، فأولى لها ان تعود للصدارة، هكذا نواميس الكون، وسنن الله في الأرض.
في إسطنبول، التقيت القائمين على جمعية «ميراثنا» للحفاظ على التراث العثماني في القدس من ترك وعرب مهاجرة، وتعرفت على العمل المضاد للدعاية الصهيونية، وقد تناولنا جزءا من الدعاية بمشروع «هازبرا» في المقال السابق.
لـ «ميراثنا» مشاريع كثيرة ومتنوعة تصب في هدف ورؤية واحدة هي «تثبيت المقدسيين»، تنقسم لقسمين: الأول المشروع الإعلامي وهو بذات أهمية المشروع العلمي ودعم أهل الداخل، المشروع الإعلامي يتضمن: مهرجانات التعريف بميراثنا السنوية، معارض الصور الدائمة والمشاركة في ندوات ومحاضرات في مختلف الفعاليات الدولية، مسابقة بحث علمي عن دور الأمة في نصرة الأقصى، ومشروع الأفلام الوثائقية وطباعة الموسوعة المصورة وتوزيعه في كل محفل للترويج والتوعية بميراث المسلمين في القدس، ومشروع التسويق عبر المواقع الإلكترونية والتواصل الاجتماعي، باختصار نحتاج الى مشروع: «الجيش الإلكتروني لنصرة الأقصى».
أما المشاريع العلمية التي تقوم بها الجمعية وهناك تعاون مع جمعية «تراثنا» في جدة ولجنة فلسطين التابعة للهيئة الخيرية الإسلامية العالمية فعلى سبيل المثال لا الحصر: الرباط في الأقصى وهو وظيفة يجب ان نعلم أهميتها وحجم الخطر على من يقوم بها من رجال ونساء، وهذا من أهم ثغور الأمة الذي يجب سده بأبنائها.
مشروع علماء بيت المقدس (تبني مجموعة علماء سنويا ووصلهم بالمؤسسات العلمية عالميا)، والكرسي العلمي (تبني كراسي علمية بأسماء علماء بيت المقدس)، والصالون الثقافي واستعادة الدور التاريخي لمدارس بيت المقدس وطالب العلم المنقطع عن الدراسة، ومصاطب العلم في الأقصى ومحيطه وما تتطلب من ترجمات وطباعة كتب وشراء مواد تعليمية وتجهيز مدارس وترميمها ودعم العملية التعليمية من معلمين ورواتب وايجارات، ونحوها.
كذلك فإن خطة تهجير السكان في محيط الأقصى لا تخفى على متابع، لذا كانت أهمية مشروع ترميم بيوت البلدة القديمة في بيت المقدس لتصلح للسكن لإحباط التهجير، والمشروع القانوني لمساندة المقدسيين والدفاع عن حقوقهم وتمكينهم من الحصول على محاكمات عادلة ورفع مظالمهم للمحاكم الدولية، شراء حافلات تسير المقدسيين القاطنين على أطراف القدس للصلوات الخمس للمسجد الأقصى لئلا تتوقف الصلاة فيه، والكراسي المتحركة لكبار السن، ودعم المرأة المقدسية بالتدريب، والتعليم لحرف ومهن مدرة للدخول.
وأهم مشروع برأيي هو: مشروع الأوقاف، لأنها هي التي ستدعم مشاريع الأقصى أعلاه، ويعتبر «وقف الأمة» أضخمها، وأعلن عنه الشيخ رائد صلاح وهو بانتظار دعم الأمة، وبرأيي ان من الحنكة ان تصب الجهود في مشروع وقفي يدعم ذاته.
أخيرا، ان المشروع الذي تقوم عليه «ميراثنا» و«تراثنا» و«لجنة فلسطين» وغيرها، مشروع أممي لا يليق بان تتنازل فيه الأمة عن دورها لمؤسسات المجتمع المدني التطوعية بإمكانياتها المحدودة، ولكن تبني الدول والحكومات له يعني تعجيل خطى رفع الأسر عن مسجدنا الأقصى، فأي حاكم مسلم لها؟
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس