ترك برس
رأى الخبير الدبلوماسي الإيطالي، ماركو كارنيلوس، أن شعبية الرئيس التركي أردوغان الواسعة في بلده وفي المنطقة، والأداء الاقتصادي الباهر الذي حققه الاقتصاد التركي هذا العام، تدعم السياسة الخارجية البراغماتية التي يتبناها الرئيس التركي.
وتناول المستشار السابق لرئيس الوزراء الإيطالي لشؤون الشرق الأوسط، في مقال نشره موقع فلادي، تغير استراتيجية السياسة الخارجية التركية منذ تولي حزب العدالة والتنمية الحكم في تركيا عما كانت عليه مع بداية الحرب الباردة.
وأشار كارنيلوس إلى أن السياسة الخارجية التركية خلال القرن العشرين استندت إلى ثلاث أولويات جيوسياسية:
- الاندماج التدريجي مع الغرب، مع انضمامها إلى الناتو، والتطلع إلى أن تصبح عضوا في الاتحاد الأوروبي منذ عام 1960.
- تركز نشاطها في الشرق الأوسط تركيزا رئيسيا حول إدارة المسألة الكردية الحساسة.
- اعتمد أمنها على حلف شمال الأطلسي، وتركز على احتواء روسيا في البحر المتوسط.
لكن القرن الحادي والعشرين شهد ثلاثة تغييرات في المحيط الاستراتيجي لتركيا: فبعد مدة قصيرة من الوفاق بعد نهاية الحرب الباردة، تدهورت علاقات روسيا مع الولايات المتحدة تدريجيا منذ عام 2007. وعلاوة على ذلك، شهد ميزان القوى في الشرق الأوسط منذ عام 2003 تغيرا كبيرا يؤثر في الحدود الجنوبية لتركيا (لبنان وسوريا والعراق) إلى جانب تحدي الإسلام السياسي، وأخيرا ومنذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2002، فإن الخيار العلماني والغربي الذي اعتمدته تركيا في نهاية الحرب العالمية الأولى أصبح محل شك.
وأضاف كارنيلوس أن النتيجة الرئيسية لتغير المشهد الاستراتيجي هو أن العلاقات السياسية والعسكرية التقليدية التركية مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي قد تأثرت سلبا، وعلى الجانب الآخر، هناك تعاون عملي غير متوقع من تركيا مع روسيا، ويلوح في الأفق تعاون محدود مع إيران.
ويلفت الخبير الإيطالي إلى أن الخيار الإسلامي التركي أزعج الغرب وبعض الدول العربية، وكان ينبغي أن يؤثر سلبا أيضا في علاقتها مع روسيا، وظهور بعض التوترات بينهما،وخاصة حول الملف السوري،لكن براغماتية القيادتين الروسية والتركية سمحت في نهاية المطاف بإدارة أكثر ذكاء لوجهات نظرهما المختلفة، وتوصلتا إلى تعاون فعال وعملي على أرض الواقع.
وعلى صعيد علاقاتها مع الغرب، وبعد أن طرقت باب بروكسل لأكثر من نصف قرن، فهمت تركيا أخيرا أن مصيرها لم يعد بعد الآن في الاتحاد الأوروبي ولكن في أي مكان آخر. وعلى الرغم من أن سياسة "صفر مشاكل" مع الجيران انتهت إلى "صفر أصدقاء" تبدو أنقرة الآن أكثر ميلا نحو الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا.
ووفقا لكارنيلوس، فإن علاقة تركيا بالولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لم تتسم ببراغماتية مماثلة كتلك التي تميزت بها مع روسيا. ولم تكن محاولة الانقلاب العسكري الساقط، والخلاف حول تسليم فتح الله غولن سوى الفصول الأخيرة للعلاقة التي تسممت بشكل متزايد.
وينوه كارنيلوس إلى سبب آخر لتوتر العلاقات التركية الأمريكية،وهو تبني أنقرة موقف مواجهة قوي تجاه إسرائيل، لأن هذا ترف لا تمنحه واشنطن سوى لعدد من الحكام العرب الأغنياء في الخليج العربي.
وفيما يتعلق بسياسة أنقرة الخارجية مع موسكو، رأى كارنيلوس أن البلدين ليس لديها أجندة متطابقة تماما، بل على العكس لكل منهما مصالح وأولويات مختلفة ولكن في الوقت الحاضر يبدو أن مصالحهما تتقارب في إبقاء الدول الغربية بعيدا عن الشرق الأوسط.
ولكن الخبير الدبلوماسي الإيطالي يعود ويؤكد أنه ما يزال من السابق لأوانه تحديد ما إذا كان تحول تركيا ينذر بإعادة الانحياز بشكل نهائي مع روسيا. ويضيف أن الرئيس أردوغان على الرغم من خطابه، يظل قائدا براغماتيا، فقبل بضع سنوات كان موقفه من رئيس النظام السوري، بشار الأسد غير قابل للتغير، لكنه قبل اليوم واقعيا وبسبب تدخل روسيا أن "اللعبة السورية" قد انتهت وأن روسيا وحلفاءها (إيران والعراق وسوريا وحزب الله) قد انتصروا.
وخلص كارنيلوس في ختام مقاله إلى أن تركيا ستواصل على الأرجح اللعب بأوراقها بشكل براغماتي على طاولات مختلفة في واشنطن وموسكو وبروكسل وفي الشرق الأوسط، لافتا إلى إن الأداء الاقتصادي الباهر الذي حققته أنقرة مع نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 11٪، وشعبية الرئيس أردوغان الواسعة في بلده وفي المنطقة، يوفران المجال اللازم للمناورة بهذه السياسة المغامرة، ولكن السؤال هو إلى متى تتسامح واشنطن مع هذه السياسة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!