ترك برس
تناول تقرير للباحث المتخصص في الشؤون الدولية والاستراتيجية علي حسين باكير، في صحيفة "القبس" الكويتية، أسباب ودلالات غياب تركيا عن إستراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة الأميركية، والتي أعلنها الرئيس دونالد ترامب، في 15 ديسمبر/كانون الأول الجاري.
وأشار التقرير إلى أن استراتيجية ترامب للأمن القومي، جاءت على عكس الاستراتيجيات التي صدرت في عهد الرؤساء السابقين، حيث لم تتطرق أبداً الى تركيا، ولم يتم ذكرها ولو مرّة في نص الوثيقة، وهو مؤشر سلبي جداً في ظل التدهور غير المسبوق في العلاقات بين البلدين.
وأضاف: ربما يمكن تفّهم هذا الأمر لو كانت الوثيقة خالية من أسماء دول إقليمية أخرى. لكن الوثيقة ركّزت في قسم الشرق الأوسط على طرفين، الأوّل هو إيران باعتبارها أحد أكبر خطرين الى جانب ما سمته الوثيقة "الجهاديين"، والطرف الثاني هو الحلفاء التقليديين -وان لم تطلق عليهم هذا اللقب- مثل السعودية ومصر.
وأوضح أن اسم إيران ورد في الوثيقة حوالي 11 مرّة بما يرتبط بدورها السلبي في المنطقة، بينما ورد اسم السعودية ومصر مرّة واحدة بشكل مباشر، وعدّة مرات بشكل غير مباشر، حيث كان من السهل معرفة انّها المقصودة في بعض المقاطع الواردة في الوثيقة.
واعتبر الباحث أن المشكلة هي أن غياب اسم تركيا عن الوثيقة يضع الأخيرة في موقع ضبابي، ويفتح الباب واسعا أمام التكهنات حول طبيعة نظرة ادراة ترمب تجاه أنقرة.
وقال إن هناك من يشير الى حقيقة ان مستشار الامن القومي هربرت مكماستر وفريق عمله في صياغة هذه الوثيقة لعب دوراً سلبياً في غياب الإشارة الى تركيا على اعتبار انّ بعض التقارير كانت قد نقلت مؤخراً كلاما عن مكماستر اتهم فيه أنقرة بأنّها تقف خلف دعم الأيديولوجيا المتطرفة في المنطقة.
لكن مكماستر سرعان ما عاد وتراجع عن كلامه هذا في مقابلة لاحقة مع وكالة الأناضول، مشيراً الى أنّ "الولايات المتحدة ملتزمة بالشراكة الاستراتيجية مع تركيا من أجل تحقيق الاستقرار في المنطقة وهزيمة الإرهاب بكل أشكاله"، وانّ "الولايات المتحدة تدعم تركيا منذ زمن طويل، وستواصل ذلك، باعتبارها بلدا أظهر للعالم الإسلامي من زمن طويل، المنافع الواضحة للإصلاح والحداثة والاعتدال والتقدم".
وبحسب التقرير، هناك أيضاً ما يتعلّق ببروز مفهوم "أميركا أوّلاً" بشكل مبالغ فيه في الوثيقة بما يتوافق مع نظرة ترامب سابقا. عند إنزال هذا المفهوم المنزلة الإقليمية، سيكون هناك مشكلة بالتأكيد، إذ إنّه يعني انّ أميركا ستهمل بالضرورة مصالح حلفائها أو شركائها إذا ما حصل تضارب في مصالح كل منهما، وهو الأمر الذي يشير بدوره الى إمكانية دوام الظروف التي أدت الى تدهور العلاقات التركية – الاميركية خلال السنوات الماضية عندما تجاهلت واشنطن بشكل مستمر مصالح تركيا الإقليمية وأمنها القومي.
لقد أعطت إدارة ترامب نموذجاً إضافياً على هذا الكلام خلال الأيام القليلة الماضية. فعلى سبيل المثال، كان الرئيس الأميركي قد وعد نظيره التركي رجب طيب أردوغان، في اتصال هاتفي بينهما، في 24 نوفمبر الماضي، بعدم إرسال أسلحة الى الميليشيات الكردية في سوريا.
لكنّ بعد عدّة أيام من نشر استراتيجية الامن القومي الاميركية، تم الكشف عن أنّ ترامب وافق في 12 ديسمبر على لائحة اعدّها البنتاغون لدعم ما اسماه "المعارضة السورية المفلترة" بحوالي 400 مليون دولار. ويعتقد كثيرون انّ هذا المصطلح الجديد هو تمويه للتحايل او الالتفاف على تسمية الميليشيات الكردية المدعومة من قبل واشنطن في سوريا.
مسألة أخرى من المفترض أن تثير شكوكاً حول نوايا واشنطن الذهاب بعيداً في تحدّي دول من المفترض انّها دول حليفة وشريكة لها في المنطقة كتركيا. إذ أوردت وثيقة الامن القومي في القسم المتعلق بمنطقة الشرق الأوسط انَ الولايات المتّحدة تسعى الى شرق أوسط لا تسيطر عليه أي قوة معادية للولايات المتّحدة.
لم يتم تسمية دولة بعينها على الرغم من انّه كان بالإمكان ايراد إيران اذا كانت المعنيّة الوحيدة، خاصّة انّ اسم ايران ورد عدّة مرات في أماكن أخرى من الوثيقة، لكنّ إبقاء الاسم مجهولاً يعني أنّ المراد بحالة الغموض هذه دول أخرى أيضاً، ربما تكون من خارج المنطقة، كروسيا او من داخل المنطقة كتركيا.
وأشار الباحث إلى أن تركيز الوثيقة على إيران قد يخلق مشاكل إضافية للجانب التركي الذي زاد، هو وعدّة دول مؤخراً، من تعاونه مع طهران نتيجة للأزمات التي ظهرت في الخليج وفي الموقف من الملف السوري والعراقي، ومؤخرا في قضية القدس.
لكن حجم هذه المشاكل التي ستعترض تركيا سيعتمد على مدى جدّية الموقف الأميركي في مواجهة إيران في وقت يعتقد فيه كثيرون أنّ الإدارة الأميركية ستستخدم الخطر الايراني لاستنزاف بعض الدول الخليجية مالياً، ولن تعطيها في المقابل الا الكلام وبعض الاجراءات الشكلية التي لن تغيّر من الواقع على الأرض كثيرا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!