ترك برس
"أكاذيب قالها لي معلّمي عن كولومبوس" هو عنوان كتاب لعالم الاجتماع والمؤرخ الأمريكي "جيمس لووين"، دعا فيه إلى التشكيك في الأسطورة الأولى عن اكتشاف بطل عظيم همام اسمه كريستوفر كولومبوس ﻷمريكا. فهل تكفي أدلّته وبراهينه لتغيير ما يعتقده ملايين الناس حول العالم؟
تورد كثير من المناهج حول العالم، ومنها مناهج الشرق الاوسط، فكرة اكتشاف كولومبوس لأمريكا، وذلك بسبب خضوعها للهيمنة الغربية وإيمانها بالتفوق الغربي، الذي لم يكن قائمًا عند اكتشاف أمريكا حين كانت التفوق للبحرية العثمانية.
تؤكد براهين تاريخية أنّ بيري ريّس العثماني هو أول من حاز خريطة جغرافية ترسم اﻷمريكيتين وأنتارتيكا بتفاصيلها، وذلك قبل ولادة كولومبوس المندوب اﻹسباني، الذي حضر مجلس الملكة إليزابيث حينما طردت آخر خليفة مسلم من قصر الحمراء في إشبيلية، والذي تؤكد الوثائق اﻹسبانية المعاصرة دراسته للخرائط العربية داخل المساجد مع المسلمين.
وبعد إجراء الفحص الكربوني للتأكد من زمن خريطة بيري ريس، التي تسبق زمن نشوء المملكة اﻹسبانية، أطلقت ناسا أقمارها الصناعية لتتأكد أن خريطة الفريق العثماني الجغرافي المتمثل بقائدهم بيري ريس مطابقة للصور المتخذة من الفضاء.
ليس العثمانيون فقط ولكن أقوام قبلهم
توجد على الليرة التركية صورة بيري ريس وخريطته البطولية، ولكن هناك أقوامًا وأممًا سبقوا العثمانيين إليها، فقد وصل إليها أفارقة امبراطورية مالي قبل الصينيين، ومن بعدهم المغاربة اﻷمازيغ، ثم الأندلسيون، وجاء ذلك في كتاب "جاؤوا قبل كولومبوس" لإيفان فان ساماترا.
وبعدهم قراصنة الفايكينغ، الذين اقتحموا اﻷندلس وبريطانيا وغرينلاند وأيسلندا وكندا وأمريكا، وفي أثناء تلك الحقب أدركت البحرية العثمانية أراضي فيلادلفيا ليزيد المخزون العلمي الكبير لديها الوعي العالمي عن ماهية اﻷمريكيتين وشعبها قبل أي تحرك إسباني أو برتغالي موثق أو مدعى.
بل من المُثير للدهشة أنّ قريشًا حتّى خبرت الهنود الحُمر، ففي الحادي و العشرين للهجرة، ولد عالم يدعى اﻹمام عامر الشعبي، بزمن الخليفة عمر بن الخطاب.
قال الشعبي: "إن لله عبادًا من وراء الأندلس، كما بيننا وبين اﻷندلس، (و كان يحدثهم في الكوفة، والمسافة بين اﻷندلس والعراق تطابق المسافة بين اﻷندلس وأمريكا)، ما يرون أن الله تعالى عصاه مخلوق (وهذا دينهم الفضفاض الذي مكّن المعتدين الإسبان والبرتغال من رقابهم)، رضراضهم الدر والياقوت (وهذا لباسهم الشهير في التماثيل والرسوم) لا يحزنون ولا يزرعون ولا يعملون عملا، لهم شجر على أبوابهم لها ثمر هي طعامهم، وشجر لها أوراق عراض هي لباسهم"، ذكر هذا في القبس التاريخي من كتاب "الحث على التجارة والصناعة والعمل".
كما تجدر الإشارة إلى أن ما جرى على لسان العالم العثماني بيري ريس لم يكن كرامة ولا معجزة، بل كانت شعوب العالم اﻹسلامي على وعي بوجود شعوب خلف بلاد المغرب العربي.
اكتشاف خارق للعادة
وفي 26 آب/ أغسطس 1956،عقدت ندوة في جامعة جورج تاون الأمريكية حول خرائط الريس بيري، قائد اﻷسطول العثماني في البحر المتوسط والخليج، واتّفق كل الجغرافيين المشاركين فيها على أن خرائطه التي سبقت كولومبوس ورسمت فيها سواحل القارة اﻷمريكية هي اكتشاف خارق للعادة.
ولد الريس بيري في جناق قلعة، واتّخذ من السويس في مصر مقرا له، حيث أنّه أهدى السلطان سليم اﻷول خريطتين هامتين جدا: الخريطة اﻷولى هي ﻹسبانيا وغرب أفريقية والمحيط الأطلسي والسواحل الشرقية للأمريكيتين بقياس (60 × 85 سم).
والثانية خريطة لسواحل الأطلسي من غرينلاند إلى فلوريدا (68 × 69 سم)، وهما محفوظتان في متحف توب كابي بإسطنبول، وتعد هاتان الخريطتان للأمريكيتين اﻷقدم في العالم.
وكتب الريس بيري في كتابه الشهير الضخم "البحرية" ما يلي: "إن بحر المغرب (اسم المحيط اﻷطلسي آنذاك) بحر عظيم يمتد بعرض 2000 ميل تجاه الغرب من ميناء سبتة، وفي الجانب اﻵخر من البحر توجد قارة هي قارة أنتيليا (أي الدنيا الجديدة).
وكتب أن القارة الجديدة اكتُشِفَت في عام 1465، أي قبل رحلة كولومبوس لاكتشاف أمريكا بنحو 27 عام.
رحلة كولومبوس في الوثائق العثمانية
نصّت بعض الوثائق العثمانية على أن كولومبوس طلب مساعدة مادية من أكثر من سلطان ومن بينهم السلطان العثماني بيازيد الثاني، لتمويل رحلته الاستكشافية، لكن لم يدعمه أي سلطان ودعمته إسبانيا.
ويقول المؤرخ التركي مراد بارداكجي، في تقرير صحفي له على موقع قناة "خبر تورك": "هل تعلمون أنّه لو وافق السلطان بيازيد الثاني على دعم كولومبوس في رحلته الاستكشافية لكانت اللغة الرسمية في أمريكا اللغة التركية وليس الإسبانية أو اﻹنجليزية؟".
عُرف تاريخيا بأنّ كولومبوس اعتمد في رحلته على خرائط عربية أندلسية وبحارة عرب، وحتى على إسطرلاب عربي، وذكر ذلك في كتاب للباحثة اﻷلمانية زيغريد هونيكه بعنوان "شمس العرب تسطع على الغرب".
وكان مساعد كولومبوس في رحلته "رودريجو" قد رافق الريس بيري في البحر ورافق عمّه الريس كمال لمدة طويلة.
ومعروف أن البحارة في سفينته أعلنوا العصيان وثاروا على كولومبوس، وأرادوا قتله عندما تأخر اكتشافهم لليابسة ووصولهم ﻷمريكا فوقف رودريجو حائلا بينهما، ودافع عن كولومبوس قائلا: "لا بد أن تكون في هذه المياه أرض، ﻷنني تعلمت ذلك في إسطنبول ومن الكتب البحرية العثمانية، وأنا واثق أننا لا بد أن نصل إلى اﻷرض التي نبحث عنها، ذلك ﻷن البحارة العثمانيين لا يقدمون معلومات خاطئة ولا يكذبون".
وبعد ثلاثة أيام من حديثه هذا وصلوا إلى اليابسة. ويخالف ذلك وجود الرواية الضعيفة لبعض القادة المسلمين مشكوكة السند، بأنه إن كان هناك للمسلمين علم بوجود أرض بعد بحر المغرب لفتحوها.
ولا يخفى على المؤرخين أن وثيقة واشنطن، تثبت أنّ أول مطوية رسمية وفدت للهنود الحمر كانت من اﻹسبانية إليزابيث وكُتِبَت باللغة العربية، ظنًّا منها أن كل الهنود الحمر يجيدون اللغة العربية، بسبب غزارة الرحالة اﻷندلسيين واﻷتراك العثمانيين قبلهم.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!