إسماعيل ياشا - ترك برس
نتائج الانتخابات اليونانية التي فاز فيها حزب "سيريزا" اليساري بزعامة "ألكسيس تسيبراس"، أحيت أحلام اليسار التركي الذي سيخوض الانتخابات البرلمانية بعد حوالي خمسة أشهر، وتجددت لدى حزب الشعب الجمهوري الآمال في الفوز هذه المرة كما فاز حزب "سيريزا" في الانتخابات اليونانية.
فوز حزب يساري في بلد لا يعني بالضرورة أن حزبا يساريا آخر سيفوز أيضا في بلد آخر، ولا توجد معادلة من هذا النوع في عالم السياسة، لأن الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية تختلف من بلد إلى آخر، والفوز في الانتخابات يعود سببه إلى عوامل عديدة، ولعل أهمها وعود ومواقف وسياسات تستجيب لمطالب الناخبين.
ولكن الأهم في المقارنة بين اليسار اليوناني واليسار التركي واحتمال فوز الأخير على غرار فوز الأول، أن ما يسمى "اليسار" في تركيا لا علاقة له بالقيم والمبادئ التي تتبناها الأحزاب اليسارية في الدول الأوروبية، ولا يختلف عن الأحزاب اليمينية المحافظة والفاشية التي تتسم سياساتها بالعنصرية والإقصاء.
حزب الشعب الجمهوري أكبر حزب تركي معارض، يصنف نفسه ضمن الأحزاب اليسارية، ولكنه أبعد حزب سياسي عن اليسار، وهو حزب كمالي فاشي منغلق يرفض التغيير والتجديد وتعزيز الحريات، ويحلم بالعودة إلى عهد أتاتورك وإينونو. ولا يوجد تشابه بين سياسات حزب الشعب الجمهوري ومواقفه وسياسات حزب "سيريزا" وموقفه، سوى أن الأول يصنَّف أيضا كحزب يساري.
رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو قام بزيارة رسمية إلى العاصمة اليونانية في ديسمبر الماضي، وشارك في الاجتماع الثالث لمجلس التعاون التركي اليوناني رفيع المستوى، وقبيل عودته إلى تركيا التقى زعيم حزب "سيريزا" في مطار "إلفثيريوس فينيزيلوس". وذكرت مصادر إعلامية آنذاك أن طلب اللقاء جاء من "ألكسيس تسيبراس"، وتحدث الزعيمان حوالي 1.5 ساعة. وكتبت صحيفة أكشام التركية أن "ألكسيس تسيبراس" قال لداود أوغلو في ذلك اللقاء: "آراؤنا تختلف عن آراء حزب العدالة والتنمية، ولكننا نقدر ما تقومون به في بلدكم منذ 13 سنة، ونحن أيضا نريد أن نقوم به". وبعد الإعلان عن تشكيلة الحكومة اليونانية الجديدة، اتصل داود أوغلو بنظيره اليوناني لتهنئته ودعاه إلى زيارة تركيا. وهناك ارتياح في أنقرة لنتائج الانتخابات اليونانية وفوز حزب "سيريزا" وتشكيل الحكومة الجديدة برئاسة "ألكسيس تسيبراس"، وأمل في تعزيز العلاقات مع أثينا في عهد الزعيم الشاب "ألكسيس تسيبراس".
العاصمة التي ليست مرتاحة لهذه النتائج هي تل أبيب، لأنها منزعجة من فوز "ألكسيس تسيبراس" وحزبه. وهناك قلق في إسرائيل رغم تهنئة اليونان بنتائج الانتخابات، ولا تخفي وسائل الإعلام الإسرائيلية هذا القلق. ومن أمثلة ذلك ما كتبه "إيتمار آيخنر" في موقع صحيفة "يديعوت أحرونوت"، حيث قال إن الحزب المنتخب في اليونان يقوده شخص كان قد اتهم إسرائيل بقتل الأطفال خلال الحرب العدوانية الأخيرة على قطاع غزة. وأضاف آيخنر أنه يوجد لإسرائيل أسباب لا يستهان بها للقلق على علاقاتها مع اليونان، حيث إن حزب اليسار الراديكالي "سيريزا" نظم أثناء الحرب الأخيرة على قطاع غزة عدة مظاهرات ضد إسرائيل، كما أن زعيم الحزب "أليكسيس تسيبراس" صرح حينئذ بأن إسرائيل تقتل أطفالا في فلسطين، وهذا أمر غير مقبول، وعلى العالم أن يتوحد وأن يعبر عن تضامنه مع الشعب الفلسطيني.
القاهرة في ظل نظام السيسي الانقلابي هي الأخرى لا بد أن تكون قلقة من فوز حزب "سيريزا" اليساري في الانتخابات اليونانية، ليس فقط لأن ما يقلق إسرائيل يقلق السيسي أيضا، ولا لأن رئيس الوزراء اليوناني الجديد يتضامن مع الشعب الفلسطيني وقطاع غزة المحاصر، بل لأن السيسي كان يخطط لتطويق تركيا بالتحالف مع اليونان وقبارصة الروم، ولكن أحلامه ذهبت أدراج الرياح، لأن الحكومة اليونانية الجديدة برئاسة "أليكسيس تسيبراس" ستكون مشغولة بأولويات أهم بكثير من العلاقات اليونانية المصرية، مثل التراجع عن سياسة التقشف ومواجهة الاتحاد الأوروبي، وليس متوقعا أن تتحالف الحكومة اليونانية الجديدة مع نظام انقلابي مفلس وشحاذ ضد تركيا التي يمكن أن تستفيد منها ومن خبراتها للخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس