يحيى بوستان – صحيفة ستار – ترجمة وتحرير ترك برس
ستذكُر كتب التاريخ السياسي أنّ اجتماع المجلس العام للأمم المتحدّة الأخير كان نقطة انتقال جديدة، إذ تم إضفاء الطابع الرسمي للسياسات الأنانية التي تنتهجها أمريكا خلال الفترة الأخيرة، وبالتالي وضعت أمريكا حواجز جديدة بينها وبين باقي دول العالم، وفي هذا السياق يمكن تلخيص الرسائل التي وجهها الرئيس الأمريكي ترمب للعالم على الشكل التالي:
- قال ترمب: "لن نسمح بسرقة ثروات أمريكا"، وذلك يشير إلى أن حروب التجارة ستتصاعد في المراحل القادمة.
- صرّح ترمب بأنه سينسحب من مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وأنه سيتوقف عن دعم المحكمة الجنائية الدولية، وذلك يشير إلى أن ترمب لن يعترف بالقوانين والمؤسسات الدولية بعد الآن.
- ذكر ترمب أنه لن يشارك في الاتفاق العالمي بشأن الهجرة، وبالتالي يمكن القول إنه لن يتحمّل أي مسؤولية على الصعيد العالمي.
- وضّح ترمب أن يرفض إيديولوجية العولمة، وذلك بدوره يشير إلى أنه سيعطي الأولوية لسياسة الحماية الاقتصادية والدولة القومية.
ومن خلال هذه الرسائل لا يصعب إدراك أن موقف ترمب الأناني سيؤدي لزيادة التوتر في النظام العالمي الفوضوي، ولكن هذا الواقع ليس المسألة الرئيسة الآن، إذ ألقى الرئيس التركي أردوغان خطابه عقب انتهاء خطاب نظيره الأمريكي ترمب في المجلس العام للأمم المتحدة، ويجدر بالذكر أن أردوغان ألقى خطابه بثقة أكبر نظراً إلى زيادة عدد الأطراف المؤيدة لعبارة "العالم أكبر من خمسة" التي يكرّرها أردوغان باستمرار منذ سنوات عديدة، وأعاد أردوغان التذكير بضرورة إجراء بعض الإصلاحات في بنية الأمم المتحدة، وكذلك كان تركيز أردوغان على مسألة العدالة العالمية بمثابة رد قوي على الجهات التي تحاول دفع العالم نحو أزمات جديدة.
تطرّق أردوغان خلال خطابه إلى مسألة تنظيم الكيان الموازي أيضاً، ولكن اختلف أسلوب تركيز أردوغان على المسألة المذكورة عن أسلوبه في السنوات السابقة، عند إعادة النظر في الخطاب الذي ألقاه أردوغان في المجلس العام للأمم المتحدة في سنة 2016 فيما يتعلّق بمحاولة انقلاب 15 تموز/يوليو التي تعرّضت لها بلاده، نجد أن محور الخطاب كان يدور حول التركيز على أن الخطر الذي يشكّله تنظيم الكيان الموازي يهدّد العالم بأكمله، ولاحقاً أشار أردوغان خلال خطابه في سنة 2017 إلى إصرار تركيا على الصراع ضد تنظيم الكيان الموازي.
إن الاختلاف بين خطاب أردوغان الأخير وخطاباته السابقة يكمن في إفشائه عن القوة الحقيقية التي تدعم تنظيم الكيان الموازي أمام أعين العالم بأسره، إذ قال أردوغان إن الخطر الصادر من أمريكا عن طريق تنظيم الكيان الموازي يهدد 160 دولة، ولفت الانتباه إلى أن أمريكا تموّل تنظيم الكيان الموازي، وأضاف أردوغان: "إن الدعم الذي يحصل على تنظيم الكيان الموازي من ميزانية الدولة الأمريكية من خلال مدارس شارتر فقط يصل إلى 763 مليون دولار أمريكا سنوياً".
إن توجيه أردوغان هذه الرسائل للعالم من خلال مجلس الأمم المتحدة يحمل أهمية كبيرة، لأنها تمثّل رسالةً واضحةً موجّهة لجميع دول العالم التي لم تُدرك مدى الخطر الذي يشكّله تنظيم الكيان الموازي، إذ يُعتبر الأخير حصان طروادة تابع لوكالات الاستخبارات الأمريكية، وبالتالي إنّ جميع الدول التي تحتوي عناصر التنظيم بداخلها تكون معرّضة لتدخّل أمريكي محتوم.
تعرّضت إيران لصدمة كبيرة نتيجة تنفيذ هجمة إرهابية على موكب عسكري في منطقة أهواز خلال الأيام السابقة، وبالمقابل حمّلت الحكومة الإيرانية أمريكا والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل والسعودية مسؤولية الهجمة الإرهابية المذكورة، من الطبيعي أن تبحث إيران عن فاعل الهجمة الإرهابية الخارج، إذ يُعرف أن التنظيمات الإرهابية تُستخدم كأداة غير متماثلة، لكن من أجل الصراع الشامل ضد الإرهاب في البداية يجب على كل دولة مكافحة الإرهاب في داخلها، على سبيل المثال تنفّذ تركيا عمليات عسكرية ضد الشخصيات القيادية في تنظيم بي كي كي الإرهابي، والمثال الأخير لذلك كانت عملية سنجار في العراق، إذ تمكّنت القوات التركية من القضاء على "مام زكي شنكالي" عضو المجلس الإداري لمنظومة المجتمع الكردستاني، وبناء على ذلك بدأت الشخصيات النظيرة لشنكالي بالفرار نحو إيران، وحسب بعض الادعاءات لجأ البعض من هذه الشخصيات إلى مخافر الشرطة الإيرانية أيضاً، ولكن عندما تجلس إيران مع تركيا على طاولة المفاوضات في خصوص صراع مشترك ضد بي كي كي تُطالب طهران بأخذ جميع المسائل بعين الاعتبار، بتعبير آخر تؤيد طهران الصراع المشترك ضد بي كي كي ولكن تُطالب أنقرة بالاتفاق فيما يخص القضية السورية أولاً، وعندما يصبح الأمر في هذا المنوال لا يمكن اتخاذ خطوة ملموسة في إطار الصراع المشترك ضد الإرهاب، ولنأمل أن تكون حادثة أهواز درساً بالنسبة إلى إيران، لأن هذه المنطقة لن تحقق السلام إلى أن تبادر في التعاون بشكل صادق ضد جميع التنظيمات الإرهابية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس