أورهان مير أوغلو – صحيفة ستار – ترجمة وتحرير ترك برس
يقوم بعض المحلّلين بتكهّنات حول سير عملية المصالحة الوطنية، فيزعمون أنّ العملية يمكن لها أن تنتهي وتتعرّض للسّكتة في حال عدم قدرة حزب الشّعوب الدّيمقراطي، تجاوز العتبة الانتخابية المتمثّلة بتحقيق الأحزاب نسبة العشرة بالمئة من أصوات النّاخبين كي يستطيعوا دخول البرلمان التركي تحت اسم الحزب. لكنّني أتوقّع عكس ذلك تماماً.
فتجاوز حزب الشّعوب الدّيمقراطي للعتبة الانتخابية، هو الذي سيعرّض عملية المصالحة الوطنية للسّكتة والفشل. لأنّ دخول حزب الشّعوب الدّيمقراطي للبرلمان تحت اسم الحزب، يعني أنّ حزب العدالة والتنمية سيفقد الأغلبية البرلمانية وسيؤدّي ذلك إلى الحدّ من سيطرة الحكومة التركية على مجريات مسيرة المصالحة الوطنية. وإنّ خوض عناصر حزب الشّعوب الدّيمقراطي، للانتخابات المقبلة تحت اسم الحزب، هدفه الحدّ من تحكّم حزب العدالة والتنمية لمجريات مسيرة المصالحة الوطنية، لا سيما أنّ رئيس حزب الشّعوب الدّيمقراطي "صلاح الدّين ديميرطاش" أعلن ذلك مِراراً وتكراراً.
فقد قال ديميرطاش بالحرف الواحد: "إذا دخلنا الانتخابات النيابية المقبلة كمستقلّين واستطعنا أن نقحم إلى البرلمان 35 – 40 نائباً، فإنّ ذلك لن يؤدّي إلى تغيير النّظام الجاري. أمّا في حال تجاوزنا العتبة الانتخابية تحت اسم الحزب، فهذا سيؤدّي إلى تغيير النّظام القائم" والمقصود هنا بتغيير النّظام هو شلّ حركة حزب العدالة والتنمية والتّقليص من تفوّقه العددي في البرلمان.
وعلى اعتبار أنّ حزب الشّعوب الدّيمقراطي بعيد كلّ البعد عن استلام السّلطة في البلاد، فإنّ الخطوة التي يُقدم عليه هذا الحزب، سوف يعود بالنّفع على حزب الشّعب الجمهوري وحزب الحركة القومية.
يؤسفني أن أقول إنّ قيادات حزب الشّعوب الدّيمقراطي يجرّون الحركة السياسية الكردية إلى أسوء سيناريو متوقّع. إنّهم يحاولون إسقاط شريكهم الوحيد في عملية المصالحة الوطنية وهو حزب العدالة والتنمية.
والواضح أنّ الأيدي الخفية التي تُسيّر قيادات حزب الشّعوب الدّيمقراطي مؤمنةٌ بهذه الخطوة التي تهدف إلى إسقاط العدالة والتنمية. فهؤلاء لا يعنيهم إن تعرّضت عملية المصالحة الوطنية للسّكته أم لا.
لا أنكر أنّ وجود حزب الشّعوب الدّيمقراطي في البرلمان التركي ضروري، لكن فرضية أنّ عملية المصالحة الوطنية تتوقّف في حال عدم قدرة هذا الحزب تجاوز العتبة الانتخابية في الانتخابات المقبلة، فرضيّة خاطئة.
لنفرض جدلاً أنّ حزب الشّعوب الدّيمقراطي لم يستطع تجاوز العتبة الانتخابية المقبلة وبقي خارج البرلمان التركي. فإنّ ذلك يؤثّر في سير عملية المصالحة الوطنية سلباً، لكنّها لن تنتهي إذا ما بقي حزب العدالة والتنمية محافظاً على الأغلبية البرلمانية، وظلّ زعيم تنظيم الـ (PKK) عبد الله أوجلان ثابتاً على موافقه حيال عملية المصالحة الوطنية.
لم يستطِع عناصر حزب الشّعوب الدّيمقراطي أن يلعبوا الدّور الرّئيسي في عملية المصالحة الوطنية منذ البداية. ففي أغلب الأحيان كانت الخطوات التي تقوم بها الحكومة التركية إلى جانب مقترحات وتوصيات عبد الله أوجلان للأكراد، هما العاملان اللذان يرسمان منحى هذه العملية.
واقتصر دور حزب الشّعوب الدّيمقراطي طيلة فترة عملية المصالحة الوطنية على نقل الرّسائل بين عبد الله أوجلان وقيادات تنظيم (PKK) المتواجدين في جبل قنديل، بالإضافة إلى نقل تعليمات أوجلان إلى الشّعب الكردي. فهم لم يستطيعوا أن يُقدّموا شيئاً ملموساً من شأنه أن يعود بالنّفع لعملية المصالحة الوطنية مثل نبذ العنف وطرح أفكارٍ تساهم في إنجاح عملية المصالحة.
وإذا أمعنّا النّظر في الخطوات التي قام بها عناصر هذا الحزب، لوجدنا أنّهم مارسو ضغوطاً على عبد الله أوجلان من أجل تغيير تطلّعاته، وذلك وفقاً للأحداث الدّائرة في منطقة الشّرق الأوسط وتطابقها مع أهداف تنظيم (PKK).
لكن هل من الصّعب أن يتجاوز حزب الشّعوب الدّيمقراطي العتبة الانتخابية؟ وكيف يستطيع تجاوز هذه النّسبة؟
لكي يستطيع حزب الشّعوب الدّيمقراطي تجاوز العتبة الانتخابية، عليه أن يكسب أصوات ما يقارب المليون ناخب من القاعدة الشّعبية لحزب الشّعب الجمهوري. فالانتخابات الرّئاسية الأخيرة، أظهرت أنّ حصول حزب الشّعوب الدّيمقراطي على أصوات النّاخبين الموالين لحزب الشّعب الجمهوري، ليس بالأمر الصّعب. لا سيما أنّ حزب الشّعوب الدّيمقراطي استطاع أن يحصل على أصوات أكثر من 600 ألف ناخب من حزب الشّعب الجمهوري فالمرشّح التّوافقي الذي قدّمه حزب الشّعب الجمهوري، أضرّ بهذا الحزب وأدّى إلى انزلاق نسبة لا يستهان بها من مؤيديه إلى مرشّح رئيس حزب الشّعوب الدّيمقراطي "صلاح الدّين ديميرطاش".
وإنّ انزلاق نسبة جيدة من القاعدة الشّعبية لحزب الشّعب الجمهوري لصالح حزب الشّعوب الدّيمقراطي ممكن في حال استطاعت قيادات حزب الشّعوب الدّيمقراطي إقناع هذه الفئة التي تتردّد في منح أصواتهم لحزب الشّعب الجمهوري الذي يعاني من اضطراباتٍ داخلية.
وقد أظهرت استطلاع للرأي أجرتها جامعة "قدير هاس" في مدينة قيصري التركية، أنّ 80 بالمئة من مؤيدي حزب الشّعب الجمهوري متردّدون في منح أصواتهم لهذا الحزب خلال الانتخابات المقبلة.
علينا أن لا ننسى أنّ نسبة أصوات حزب الشّعوب الدّيمقراطي تضاعفت خلال الانتخابات الرّئاسية الماضية في مدينة إزمير التي تعتبر قلعةً من قلاع حزب الشّعب الجمهوري. ولهذا السّبب سوف يقوم حزب الشّعوب الدّيمقراطي بترشيح أقوى أسمائه من المدن الكبرى مثل أنقرة وإسطنبول وإزمير. فالمنافس الحقيقي لحزب العدالة والتنمية خلال الانتخابات المقبلة، هو حزب الشّعوب الدّيمقراطي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس