إبراهيم قارغول – صحيفة يني شفق – ترجمة وتحرير ترك برس
قامت تركيا ليلة أمس بعملية عسكرية-استخباراتية عظيمة في سوريا، حيث قامت مجموعة من القوات الخاصة بدعم من أفراد في جهاز الاستخبارات بنقل نعش سليمان شاه من الأراضي السورية إلى تركيا، في عملية بدأت الساعة الحادي عشر مساء واستمرت 9 ساعات متواصلة.
شارك في العملية طائرات بدون طيار، وعربات مدرعة، وسيارات إسعاف مصفحة، وأسفرت عن إعادة 38 من العساكر الأتراك إلى تركيا، وكذلك إحضار نعش سليمان شاه لإعادة دفنه في منطقة أكثر أمنا في سوريا، وسيتم لاحقا إرسال عدد من العساكر لحمايته.
ستتضح تفاصيل هذه العملية كلها خلال الساعات القادمة، لكن لا شك أنّ مثل هذه العملية يقف ورائها احتمالات قلق وخوف ومعلومات أخرى، وسيتم الحديث عن هذا مطولا في الإعلام، فالعملية ليس هدفها ضريح سليمان شاه ونعشه فقط.
الهجوم على ضريح سليمان شاه بالتعاون مع جهات من الداخل
نشرت بعض الأطراف في تركيا - ومنها حزب الشعب الجمهوري- في الأيام الأخيرة، إشاعات تتوقع بشن هجوم قريب على ضريح سليمان شاه الذي يخضع للسيطرة التركية في الأراضي السورية.
كانت مثل هذه الإشاعات لا تهدف إلى التحذير من هذا الاحتمال، وإنما بالعكس على إثارة وتحفيز شن هجوم على ضريح سليمان شاه لما يحمل من أهمية خاصة جدا بالنسبة لتركيا، وكانت هذه الإشاعات تهدف إلى توضيح حقيقة هذه الأهمية والحساسية إلى أطراف خارجية.
هذه الأطراف الداخلية كانت تدرك أنّ نشر مثل هذه الإشاعات سيوقع تركيا في فخ، وربما كانوا يعملون فعليا بتعاون مع أطراف خارجية لإيقاع تركيا فيه، وربما هناك أطراف داخلية كانت تحضر لمثل هذا الهجوم بالاشتراك مع داعش، أو على الأقل باستخدام داعش وبتقديم الدعم لها لتحقيق ذلك.
وهناك بُعد آخر لمثل هذا الهجوم، وهو أنْ لا يقتصر الموضوع على الإيقاع بين تركيا وداعش بصورة مباشرة، وإنما استغلال هذا الهجوم من أجل التأثير على الجمهور قبيل الانتخابات المقبلة، بمعنى استغلال الحدث لتحقيق مصالح داخلية.
بعض الأطراف كانت تريد تصفية حساباتها مع تركيا من خلال استخدام الإرهاب، ولهذا كان دوما ضريح سليمان شاه هو المكان الأمثل والأكثر حساسية والأكثر أهمية تاريخية بالنسبة لتركيا، لذلك كان المكان الأمثل لتحقيق مثل هذا الهدف.
حصلت هذه العملية بعد نشر إشاعات من قبل بعض الكتاب، ومن قبل حزب الشعب الجمهوري بأنّ العساكر الذين يحرسون ضريح سليمان شاه مغدورين، ولا تستطيع تركيا حمايتهم أو تغييرهم، وهم معرضون للخطر الدائم، وأنّ داعش تسعى لشن هجوم على الضريح، فيما تركيا عاجزة عن تغيير نوبة العساكر هناك، وعلى ما يبدو أنّ رئيس الأركان انزعج من هذه الأقاويل، حيث تمت عملية أمس بعد نشر الإشاعات ومحاولة إثبات عجز تركيا عن الدخول إلى هناك.
تعيش المنطقة بأسرها حالة تغيير غير مسبوقة، وقد حاولت التركيز على ذلك في كتاباتي السابقة، فاليوم استخدام داعش وغيرها من المنظمات كوسيلة لتحقيق الأهداف، لم يعد يقتصر على سوريا والعراق، وإنما وصل إلى ليبيا والأردن، وهذا الحراك غير المسبوق والسيناريو الجديد الذي تتعرض له المنطقة، سيشهد تطورات قريبة تهز المنطقة بأسرها، وهو غير محصور على دول معينة، فكل المنطقة مستهدفة، فما يجري حاليا هو سيناريو مكرر هدفه جرّ الدول إلى ألغام عديدة من خلال مثل هذه المنظمات.
كادت أنْ تسقط تركيا في الفخ
اليوم تشهد كلا من مصر والأردن وليبيا حراكا غير مسبوق في طريق الحرب على داعش، بسبب ما قامت به الأخيرة ضد تلك الدول، واليوم كانوا يهدفون إلى إدخال تركيا في تلك الفوضى بنفس الأسلوب، وكان الهدف الأقرب والأسهل لشن الهجوم عليه هو ضريح سليمان شاه، وذلك الهجوم يعني ذبح كل عساكرنا هناك.
بعض المصادر ما زالت تؤكد أنّ داعش يسعى لشن عدة هجمات داخل تركيا، فهذا الاحتمال وارد لأن الاستخبارات الأجنبية تتوغل بعمق في هذا التنظيم، فوقوع أي هجوم داخل تركيا سيتم باستخدام اسم داعش، وشن هجوم على تركيا سواء أكان في الداخل أو على ضريح سليمان شاه، ربما يعني فورا دخول تركيا إلى الفوضى والمعمعة الحاصلة في دول المنطقة.
والطرف الغريب الآخر في عملية أمس، هو التعاون غير المسبوق بين تركيا والأكراد، وبالرغم من أهمية هذا التعاون الرائع جدا، إلا أنّ ذلك سيزيد من حقد داعش لاتخاذ تركيا كهدف لها، وأرجو أنْ لا يفهمني أحد بصورة خاطئة، فهم يريدون إيقاع تركيا في هذه الفوضى كما تم إيقاع مصر والأردن.
لكن ليس هذا هو الاحتمال الأكبر، وإنما الاحتمال الأصلي والفخ المُحكم كان يتمثل بشن هجوم على ضريح سليمان شاه لإلحاق الضرر بعساكرنا المتواجدين هناك، وهذا ما كان سيجعل تركيا في مواجهة مباشرة مع داعش، وهذا سيكون له انعكاسات على داخل تركيا، وسيغرقها بموجة من العمليات الإرهابية التي ستستمر لفترة طويلة، وهذا السيناريو ما زال واردا جدا، بمعنى أنّ ضريح سليمان شاه كان سيتحول لفخ مُحكم لإسقاط تركيا فيه.
تم إحكام الفخ من قبل المحيطين وليس من قبل داعش
هذا القلق كان يشغل بال تركيا، فما كان سيُدخل تركيا في حرب مباشرة مع الأكراد، كان سيتحول إلى إدخال تركيا في حرب مع داعش، وهناك عدة أدلة حقيقية على ذلك في الآونة الأخيرة، فهناك العديد من الجهات تريد تصفية حساباتها مع تركيا باستخدام داعش.
عملية يوم أمس، أفشلت كل تلك المخططات ضد تركيا، وبنقل ضريح سليمان شاه، تم إبطال مفعول الفخ المُحكم، وهكذا أفشلت تركيا مخططا كبيرا جدا، فن يقف خلف هذا المخطط؟ ليست داعش، وإنما مخطط يتبع لأجهزة استخبارات أجنبية متوغلة في داعش وتتحكم بها.
كانوا يريدون شن هجوما على ضريح سليمان شاه، من أجل إقحام تركيا في كارثة كبيرة جدا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس