د. سمير صالحة - خاص ترك برس
عند قراءة هذه المادة تكون مراكز الاقتراع قد جهزت وأُعطيت الإشارة لفتح الطريق أمام تحرك حوالي 57 مليون مواطنا تركيا نحو الصناديق لاختيار من سيمثلهم بإدارة شؤون البلديات في 81 مدينة.
انتهت مساء أمس السبت الحملات الانتخابية التي استغرقت 3 أشهر تقريبا وستنتهي بعد ساعات عمليات التصويت ويعقبها خطوات الفرز لانتخاب المئات من رؤساء البلديات ومجالسهم المحلية.
رسميا هي انتخابات محلية تجري كل 5 سنوات ويتنافس فيها الأحزاب السياسية على إدارة شؤون بلديات مدنهم وأقضيتهم واختيار الآلاف من المخاتير والمجالس. لكن على أرض الواقع هي تحولت إلى مواجهة واصطفافات حزبية وسياسية دخل على خطها أكثر من عامل سياسي واقتصادي واجتماعي ببعد داخلي وخارجي. وكل هذا جرى وسط أجواء شحن سياسي وحزبي أراد البعض أن يحوله إلى عملية استفتاء جديد على حكم حزب العدالة والتنمية وسياساته وقراراته.
دولت بهشلي زعيم حزب "الحركة القومية" اليميني وحليف حزب العدالة والتنمية الحاكم يلخص ما يجري بقوله إنها ليست انتخابات عادية كلاسيكية إطلاقا "كلما اقترب يوم الانتخابات تكشفت أكثر فأكثر خططهم وأهدافهم السرية".
"تحالف الجمهور" الذي يضم حزب العدالة والتنمية والحركة القومية ومجموعات إسلامية وحزبية يمينية صغيرة يرى أنها مواجهة مع المؤامرات التي تحاك ضد تركيا لذلك هو وصفها بأنها معركة إثبات وجود. أما "ائتلاف الأمة" الذي يجمع حزبي الشعب الجمهوري اليساري وحزب "إيي" القومي اليميني مدعومين من حزب الشعوب الديمقراطية الذي يحظى بتأييد قواعد شعبية كردية في جنوب شرق البلاد فيريدها فرصة ومحاولة جديدة لتصفية الحسابات مع حكم حزب العدالة بعدما فشل في أكثر من محاولة سابقة.
تحالف أردوغان - بهشلي يعرف تماما أنها انتخابات لن تؤثر على عمل القيادات السياسية في السلطة وقراراتهم في السنوات الأربع المقبلة، لكنهما يدركان أيضا أن التكتل المعارض يسعى من خلال الفوز في هذه الانتخابات باتجاه صناعة مشهد سياسي انتخابي جديد يفتح الأبواب على أكثر من سيناريو واحتمال. خسارة الحزب الحاكم لإدارة شؤون البلديات في المدينتين الأكثر سكاناً إسطنبول وأنقرة مثلاَ سيكون لها ارتداداتها السلبية على نفوذه وقراراته في المكانين بسبب أهميتهما الرمزية في المواجهة.
الانتخابات أيضا ستتحول شئنا أم أبينا إلى استفتاء على شعبية الحزبين الرئيسيين في الحكم والمعارضة ورئيسيهما أردوغان وكيليشدار أوغلو وقوتهما السياسية في المرحلة المقبلة. لذلك نرى الرئيس التركي يكرر دائما أهمية المضي نحو العام 2023 بدعم وتأييد واسع لحزب العدالة ولعدم إعطاء المعارضة فرص التشويش وعرقلة تنفيذ خطط الإنماء والصعود الاقتصادي والاستقرار السياسي والأمني للبلاد.
الناخب التركي وهو في طريقه إلى الصناديق سيكون تحت تأثير حملات انتخابية عاصفة تخللها الكثير من تبادل الاتهامات وتحميل المسؤوليات في أكثر من أزمة بطابع داخلي وخارجي تقدمها مسائل الارتباط بالتنظيمات الإرهابية واختيار بعض عناصرها بين المرشحين. لكنه سيكون أيضا وهو ما ركزت عليه المعارضة، تحت تأثير الأزمة المالية الاقتصادية المالية التي تعرضت لها البلاد الصيف المنصرم وما زالت ارتداداتها قائمة. انتخابات واكبها نقاشات حول موضوع اللاجىء السوري في المدن الكبرى وتغريدات وشعارات جعلته في قلب الحدث وملف الجولان المحتل وجريمة نيوزيلندا وإعادة تحويل متحف آيا صوفيا التاريخي إلى مسجد وقرارات وتوصيات المؤسسات الأوروبية المتشددة حول العضوية التركية في الاتحاد.
نتائج الانتخابات تكتسب أهمية كبيرة للحكومة والمعارضة معا، خصوصا أنه لن يكون هناك انتخابات أخرى حتى عام 2023 ، وهي ستحسم الجدل الذي تتمسك به المعارضة حول موضوع تغيير شكل النظام وتحويله إلى رئاسي رغم الاستفتاء الشعبي الحاصل قبل عامين والذي كان من المفترض أن ينهي هذا النقاش.
مساء اليوم ومع ظهور النتائج الأولية سنتعرف إلى قرار الناخب التركي وخياراته في الصناديق وأسبابها. هل لعب ما أشارت إليه بعض مؤسسات استطلاع الرأي حول وجود حالة من الغبن وعدم الرضى والرغبة بابراز البطاقة الصفراء في وجه حزب العدالة والتنمية دورا في تحديد شكل النتيجة أم لا؟ وسيتضح أكثر فأكثر مدى قدرة أحزاب المعارضة على إقناع المواطن بضرورة التغيير بعد 17عاماً من حكم حزب العدالة.
النتائج كذلك لن تنعكس مباشرة على الأحزاب وحصصها بقدر ما ستكون ارتداداتها مؤثرة على الاصطفافات الحزبية نفسها. هل سيدب الخلاف بين التحالفات وأين ستكون ارتداداته خصوصا وأن كل طرف متمسك بمواقفه التي أعلنها والتي لن يتراجع عنها بمثل هذه السهولة.
صباح غد الإثنين وعلى ضوء النتائج قد نسمع ونقرأ تحليلات ومواقف في صفوف اليمين التركي تتحدث عن تفعيل سيناريو الحزب الجديد وضرورته وهو آخر ما تريد قيادات العدالة والتنمية التوقف عنده. انتصار حزب العدالة يريده البعض أن يسقط تماما ورقة الرهان على تحريك الرماد تحت هذا السيناريو الذي تكررت فيه دائما أسماء مجموعة من القيادات المغبونة أو المبعدة أو المهمشة.
صباح الغد سنتعرف دون شك إلى مدى قبول المواطن التركي لفكرة الاستهداف وضرورة التصدي لها وإسقاطها وهي التهمة الموجهة لبعض القوى الإقليمية التي جرى الحديث عنها دائما دون تسميتها راهنت على أن تتحول الانتخابات إلى فرصة جديدة لها لإضعاف العدالة والتنمية وتصفية الحسابات معه.
هذه الليلة سنصل إلى إجابة أخرى على تساؤل في قلب المشهد: "الصوت المتردد" هو الذي سيحسم نتيجة الانتخابات. لكن المشكلة أن غالبية هذه الشريحة هي من أنصار اليمين المحافظ وحزب العدالة كما تقول الكثير من استطلاعات الرأي. فهل ينجح الرئيس أردوغان في إقناعها بالعودة إلى أحضان الحزب والوقوف إلى جانبه في هذه الظروف الصعبة؟ هل يحصل حزب العدالة على 4 سنوات هادئة قبيل الذهاب إلى انتخابات رئاسية جديدة عام 2023 وهل يمنحه الناخب التركي ما يريده من فرصة أخرى في تجديد الثقة؟
كان أردوغان يردد في أعقاب كل انتخابات من على شرفة مقر حزب العدالة والتنمية في أنقرة أن ما جرى إبان الحملات الانتخابية هو في حكم الماضي فما الذي سيقوله هذه المرة وبأي اتجاه سيكون كلامه على ضوء النتائج؟ هل سيقول عفا الله عما مضى إذا ما جاءت النتيجة بعكس ما يتوقعها ويريدها؟ وما الذي سيفعله كمال كيليشدار أوغلو هو الآخر إذا ما تلقى ضربة انتخابية جديدة؟ هل سيتخلى عن قيادة المعارضة أم سيتجاهل حديث الصناديق ويدير ظهره لقرار الناخب ويقدم نفسه على أنه هو الفائز الحقيقي؟
مرة أخرى، تنتصر التجربة الديمقراطية التركية لكن التعادل ونتيجة لا غالب ولا مغلوب في هذه المواجهة لن يقبل به كل هذا الاصطفاف الحزبي والسياسي وهو قد لا يرضي الناخب التركي نفسه.
نهنئ هنا من حصل على الجنسية التركية من المواطنين العرب ومن سيشارك في التصويت. أهلا بهم بيننا مهما كان خيارهم. هم ونحن نعرف أن مشاركتهم لا تهدف إلى التأثير في شكل النتيجة بقدر ما سيكون حقاً ديمقراطياً منحه لهم القانون التركي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس