د. علي الصلابي - خاص ترك برس

البطل العثماني حسن باشا هو ابن أمير البحار المجاهد الشهير خير الدين بربروسة، ولد في جزيرة يونانية سنة 1517م، وتعلم وتدرب في شبابه في المدارس والمعسكرات العثمانية في اسطنبول، وقد سار على خطى والده وتعلم منه أصول البحرية، وقد استطاع أن يتقلد عدة مناصب حتى أصبح حاكماً لولاية الجزائر، تولى ثلاث مرات منصب بكلربك باي، الأولى كانت بعد وفاة حاكمها آغا الطوشي سنة 951هـ - 1544م، والثانية بعد مقتل الباي محمد كرداوعلي، وأعيد تعيينه للمرة الثالثة بعدها بفترة قصيرة.

ومن المؤكد أن سبب تعيين حسن باشا بن خير الدين بربروسة ثلاث مرات في هذا المنصب راجع إلى إدراكه السليم بالطريقة التي نظم بها الإدراة في الجزائر، وتعلق الجزائريين به، ورضاهم عنه، وقيادته العسكرية الحكيمة في الهجوم على الحصون الإسبانية على الساحل الجزائري .

وعندما وصل للحكم بعد وفاة حسن آغا الطوشي، شرع حسن بن خير الدِّين يستعدُّ للجهاد ومواجهة المسيحيِّين، فعمل على تحصين مدينة الجزائر، وذلك في المناطق الَّتي أظهر هجوم شارل الخامس عن ضعفها، كما أخذ يعمل على توطيد النِّظام في الجزائر، وبين صفوف الجيش، ثمَّ انصرف إِلى حلِّ مشكلة «تلمسان» إِذ تبيَّن له: أنَّ بقاء الأسرة الزِّيانيَّة ووجود الإسبان في وهران يعيقان حلَّ المشكلة.

كان حاكم تلمسان (أبو زيان) أحمد الثَّاني قد تولَّى الحكم بدعم من العثمانيِّين، غير أنَّه مالبث أن خضع لمؤامراتٍ خارجيَّةٍ، وانساق في تيَّارها، وأخذ يتقرَّب من الإِسبان، ممَّا أدى إِلى كره الأهالي له، وقرَّروا خلعه عن العرش، ومبايعة أحد أخوته (الحسن) فتوجَّه أبو زيان إِلى وهران طالباً للدَّعم من الإِسبان، ومقدِّماً لهم التَّعهُّدات بأن يحافظ على ولائه لهم، فقرَّر حاكم وهران انتهاز هذه الفرصة، فجهَّز جيشاً، وانضمَّ إِليه جموع الخاضعين للإِسبان من بني عامر، وفليتة، وبني راشد، وعلى رأسهم القائد المنصور بن بو غنام، وتقدَّموا إِلى تلمسان لإِبعاد الحسن، وإِعادة تنصيب أبو زيان على عرش المدينة، وما أن علم الحسن بن خير الدِّين بتحرُّك القوَّة الإِسبانيَّة، حتَّى قاد الجيش الإِسلاميَّ في تلمسان ليمنع الإِسبان من الوصول إِلى هدفهم، وتمكَّن حسن بن خير الدِّين من ذلك، ودعم حليفه الملك حسن في تلمسان، الَّذي اعترف بسلطة الدَّولة العثمانيَّة، كما ترك الباشا حسن بن خير الدِّين حاميةً عثمانيَّة بقيادة القائد محمد في قلعة المشوار في تلمسان، إلا أنه مع ذلك ظلَّ نفوذ الدولة العثمانية مهتزَّاً خارج تلمسان، بسبب مضايقات بعض القبائل المجاورة بقيادة المزوار بن بو غنام، الَّذي يرغب في مساندة زوج ابنته الأمير مولاي أحمد حليف الإسبان.

قامت الدَّولة العثمانيَّة بدعم السُّلطان الشَّريف السَّعدي بنحو عشرين ألف مجاهدٍ، فالتفوا حوله، ودفعوه إِلى بناء مراكب حربيَّةٍ للاستيلاء على إِسبانيا، فوافق الشَّريف السَّعدي على ذلك، وصرف لهم أجورهم، ومكافآتٍ لهم.

واستطاع الشَّريف السَّعدي أن ينهي الحكم الوطاسي، وأصبح الإِسبان متخوِّفين من هجوم عثماني سعدي مشترك، فقاموا بإنهاء استحكامات مليلة، وفرضت عدَّة إجراءات أمنية على جبل طارق، وقادش، وغير ذلك من الاحتياطات.

لقد ظهر السَّعديون أوَّل الأمر كمحرِّرين للمغرب من الوجود المسيحي، فأكسبهم ذلك تأييد المسلمين؛ إِذ اعتبروا ذلك نوعاً من الجهاد، فقدَّمت الدَّولة العثمانيَّة مساعداتٍ كبيرةً لتحقيق ذلك، ثمَّ عرضت على السَّعديين مشروع استرداد الأندلس، إِلا أنَّه بعد أن دانت بلاد المغرب للشَّريف السَّعدي، وانتهاء الحكم الوطاسي، توجَّه الشريف بأنظاره نحو تلمسان، فأرسل جيوشاً كبيرة لإِنهاء الحكم العثماني فيها، وعندما شعر العثمانيُّون بتلك الأطماع، وانحراف الشَّريف السَّعدي عن الهدف الإِسلامي؛ أرسلت له حملات؛ ليعود إِلى بلاده.

استمرَّ المجاهدون في شمال أفريقية يهدِّدون أمن غرب البحر المتوسِّط، فقاموا بمناوشاتٍ بحريَّةٍ أزعجت التِّجارة، والسُّفن المحمَّلة بين إِسبانيا، وإِيطاليا، وغطَّى المجاهدون من أهالي الشَّمال الأفريقي الجزء من البحر المتوسط بين سردينيا والسَّاحل الأفريقي، وبذلك اضطرت السُّفن المسيحيَّة أن تطرق الطُّرق الأكثر أماناً بالقرب من رأسي كورسيكا، ولكن الاحتلال الفرنسي للرأس بمساعدة العثمانيِّين هدَّدوا أيضاً الاتصالات بين إِسبانيا، وإِيطاليا، ولم تكن هناك مهلةٌ لشارل الخامس في الدِّفاع عن الطُّرق البحريَّة ضدَّ القسطنطينيَّة التي كانت حلمه منذ سنوات طفولته، كما أنَّه صار غير قادرٍ على تقديم مصالح مباشرةٍ لإِسبانيا.

كان حسن بن خير الدِّين بربروسة بعد أن هزم السَّعديِّين في تلمسان، ووطَّد دعائم الحكم العثماني فيها 959هـ/1151م انتهج سياسةً مضادةً لكلِّ الدُّول الأجنبيَّة، بما فيها فرنسا الَّتي كانت ترتبط بالدَّولة العثمانيَّة بروابط رسميَّة جيِّدة، ساعدت الفرنسيين على الإفادة من الامتيازات الاقتصاديَّة الَّتي منحت لها مع إستانبول، والَّتي شملت جميع أقاليم الدَّولة العثمانيَّة، غير أنَّ حسن بن خير الدِّين لم يلتزم بذلك، وأعلن عداءه لفرنسا في مناسبات عديدةٍ، فما كان من فرنسا إِلا أن أرسلت سفيرها المعتمد في إستانبول إِلى الجزائر بهدف معرفة المدى الَّذي سيصل إِليه حسن بن خير الدِّين في عدائه لفرنسا، وفيما إِذا كان هذا العداء سيؤثر على العلاقة الاقتصاديَّة ما بين فرنسا وبيلربكية الجزائر.

اجتمع سفير فرنسا بالبيلربك حسن بن خير الدِّين، وعرض عليه تقديم مساعدات عسكريَّة ؛ لتنفيذ مشروع الدَّولة العثمانيَّة في مهاجمة إِسبانيا، ونجدة مسلمي الأندلس، لكنَّ حسن رفض هذا العرض، لمعرفته بمواقف فرنسا السَّابقة من الدَّولة العثمانيَّة نفسها، وأعلن صراحةً: أنَّ قضيَّة الجهاد هي قضيَّةٌ خاصَّةٌ بالمسلمين، وبيَّن بأنه لا ينتصر بكافر على كافرٍ، ورجع السَّفير الفرنسي إِلى إستانبول، حتَّى أوغر صدر الباب العالي بقوله: (إِنَّ السُّلطة الواسعة المطلقة التي يمارسها حسن بن خير الدِّين ومحاولته توسيع مملكته ستحطِّم وحدة الدَّولة العثمانيَّة، وتهدِّد كيانها بالانقسام) خاصَّةً: أنَّ والدته من الأسر الجزائريَّة المعروفة.

رأت الدَّولة العثمانيَّة أنَّه لزاماً عليها تغيير سياستها في المنطقة خاصَّةً بعد أن صار المغرب حليفاً قوياً للإِسبان، ممَّا أدَّى إِلى قلب الموازين الاستراتيجيَّة رأساً على عقب، فاتَّخذ السُّلطان عدَّة تدابير لمواجهة الحالة الجديدة، ومن ذلك عزل السُّلطان سليمان القانوني بيلر بك الجزائر حسن بن خير الدِّين بدعوى الإِساءة إِلى حسن الجوار مع المغرب، كما دعا إِلى الوحدة الإِسلاميَّة، وإِلى حسن الجوار.

أسندت الدَّولة العثمانيَّة بيلر بيكية الجزائر إِلى صالح رايس في صفر 960هـ/ يناير 1552م بدلاً من حسن بن خير الدِّين بربروسة.


مراجع البحث:

د. علي محمّد الصلابي. الدولة العثمانية، عوامل النهوض وأسباب السقوط، الطبعة الأولى 2003م، ص (186: 190).
بسام العسلي، الجزائر والحملات الصليبية،  دار النفائس، الطبعة الرابعة، 1985م، ص (21 – 22 - 30 – 32).
عبد الكريم كريم، المغرب في عهد الدَّولة السَّعديَّة، شركة الطَّبع والنَّشر، الدَّار البيضاء، المغرب، 1977م ، ص (79).
محمَّد المغربي، بداية الحكم المغربي من السُّودان الغربي، الدَّار الوطنيَّة للتَّوزيع والنَّشر، طبعة عام 1982م ، ص (90، 91).
محمد خير فارس، تاريخ الجزائر الحديث، دار الشُّروق، الطَّبعة الثَّانية، 1979م ، ص (38، 39).
د. نبيل عبد الحي رضوان، جهود العثمانيِّين لإِنقاذ الأندلس في مطلع العصر الحديث، مكتبة الطَّالب الجامعي، الطَّبعة الأولى 1408ه، 1988م ، ص (329 - 330 - 334 - 356).

عن الكاتب

د. علي محمد الصلّابي

الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس