ترك برس
انتقد ياسين أقطاي، مستشار رئيس الحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، صمت الدول العربية على سياسة التطهير العرقي التي تمارس ضدّ العرب في سوريا، وخاصة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
ونشرت صحيفة "يني شفق" التركية مقالًا لأقطاي، تحت عنوان "هل لدى الجامعة العربية سياسة عربية؟"، جاء فيه:
إنّ الاتفاق بين الولايات المتحدة وتركيا حول تشكيل ممر دائم للسلام شمالي سوريا، من المتوقع أن يساهم بشكل أولوي في تأمين مساحة آمنة للشعب السوري.
وإن تأمين هكذا مساحة ستوفر بدورها غطاء أمنيًّا للشعب السوري يحميه من مجازر نظام الأسد التي لا تفرق بين مسلّح ومدنيّ، كما أن المساحة الآمنة تلك ستكون في الوقت ذاته ضامنًا لعدم تحرّك التنظيمات الإرهابية وتهديدها من جديد للشعب السوري.
إن الوضع القائم الآن هناك، هو قيام تنظيم "بي يي دي" الذي يتلقى دعمه وسطوته من الولايات المتحدة بعمليات تطهير عرقي تجاه العرب، كما أنه يقوم بتطهير سياسي تجاه الأكراد الذين لا يخضعون لمزاجه.
في الحقيقة إن العرب الذين في المنطقة (شمال سوريا) هم الضحية الأولى لعمليات التطهير العرقي تلك، وهناك سؤال طرحناه من ذي قبل ويمكننا طرحه الآن مجدّدًا بصيغة أخرى.
لقد سألنا في السابق؛ هل يوجد لدى الجامعة العربية سياسة للهجرة إزاء المهاجرين الذين غالبيتهم من العرب والذين اضطروا للهجرة من سوريا، ليبيا، العراق واليمن وما شابه؟.
واليوم نُعيد السؤال ذاته مع خطوة نحو الأمام:
هل لدى الجامعة العربية اكتراث إزاء الشعوب العربية التي تتعرض لعمليات تطهير عرقي لا سيما في العراق وسوريا، وهل لديها سياسة ما تستند على هذا الاكتراث؟
إن تنظيم بي يي دي الذي يأخذ سطوته وطغيانه من الولايات المتحدة، يسعى إلى تأسيس دولة عرقية في سوريا، في مناطق 90 بالمئة من سكانها عرب.
وتجنّبًا للفهم الخاطئ، فإن هذه الدولة ليست دولة كردية أو ما شابه. إنها دولة بعيدة عن الإسلام والعرف والإنسانية، كما أنها أيضًا بعيدة عن الكردية، ونحن أصلًا نعرف هذا من تجربة منظمة بي كا كا، يحاولون بناء دولة عرقية تحت اسم لغة كردية لا علاقة لها بالكردية، وتحت ثقافة كردية مزيفة، وفي الوقت ذاته يقومون بتهجير كلّ من يعارض ذلك.
بالطبع هناك في المقابل من يرحّب بهذه الممارسات بشكل عاطفي تحت اسم "الدولة الكردية". قبل أيّ شيء، لا يوجد أي أثر لكردية أولئك الذين يرحبون بعواطفهم الجيّاشة تحت اسم الكردية، بهكذا تشكيل تمّ حشره كحصان طروادة، تسعى من خلاله الولايات المتحدة إلى احتلال شعوب المنطقة.
لا يمكن أن يكون هناك عملية صَهر كردي أكبر من تلك الخيانة. لم يبقَ أصلًا أي أثر لكردية أولئك الذين يستقبلون هذا بسرور وامتنان.
لكن ليس هذا هو موضوعنا الأصلي. إن القضية الأساسية تكمن في عدم وجود أي اعتراض أو صوت من قبل الدول العربية ولا سيما الجامعة العربية التي تجمع تلك الدول تحت مظلة القيم العربية؛ لا يوجد لها اعتراض أو صوت إزاء ما يحدث من عملية ديموغرافية ضحاياها بالدرجة الأولى هم العرب بطريقة أو بأخرى.
إننا نرى أن الدول العربية في الآونة الأخيرة قد شقت الطريق نحو العلمانية. ولكن حتى الآن لم يعد مخفيًّا أو سرًّا أن تظهر خيارات سياسية بدوافع علمانية لآخر درجة، تحت غطاء صورة دينية. ما يعني أن هذه الدول لم تصبح علمانية جديدة، بل بدأت بالتكيّف مع الأذواق الجديدة الظاهرية فحسب.
أي أن الفرق الوحيد الآن هو أنهم لم يعودوا يشعرون أنهم بحاجة إلى اعتماد صورة دينية وما تحويه من قوة شرعية، بل إنهم يسلكون صورة علمانية وعلى العلن. والآن لم تعد لديهم قضية اسمها القدس، أو قضية اسمها فلسطين، لم يعد لديهم أي هموم إزاء ما يتعرض له المسلمون المضطهدون حول العالم.
سنغضّ الطرف عن اعتبار الإسلام، لكن ألا يوجد هناك هموم أو مسؤولية نابعة من مقتضى العروبة؟ الآن يتم ترحيل الملايين من العرب في سوريا فقط لأنهم عرب، ويتم تركهم أمام عمليات تطهير عرقي.
ولا يوجد هناك أي جهود أو خطوات أو أية تدابير في سبيل منعهم من التعرض لهذا الاضطهاد والظلم. ألا يجدر بهذه الدول التي تربطها علاقات جيدة للغاية مع الولايات المتحدة، كما أنها تساهم بشكل فعّال في الاقتصاد الأمريكي وتوفّر فرص العمل لمئات الآلاف من المواطنين الأمريكيين؛ ألا يجدر بها أن تعترض على سياسة الولايات المتحدة في سوريا، والقائمة على التطهير العرقي ضدّ العرب؟.
لذلك ونتيجة لهذا التطهير العرقي القائم؛ اضطر ملايين السوريين لترك بلادهم مهاجرين في الغالب نحو دول غير عربية، ألا يمكن للجامعة العربية أن تضع هذه القضية على أجندتها الرئيسية؟
إذا كانت الجامعة العربية غير مكترثة لوضع هذه القضية على أجندتها ليتم معالجتها، أو غير عابئة باتخاذ تدابير إزاء ذلك؛ فلماذا تم تأسيس الجامعة العربية، ولأي غرض تصلح إذن؟.
أنا متأكد من أن البعض قد استقبل هذه الأسئلة بسذاجة مفطرة غير عابئ لها، إلا أنني أتساءل بشكل ودّي، إن أي مؤسسة قائمة تم تأسيسها لأي غرض كان، أعتقد أنه يقع على عاتقها فعل شيء قد تسمّت به وصار اسمًا لها، وفي الحقيقة يمكنها فعل ذلك.
لو أنّ الجامعة العربية اليوم بدأت فعلًا بتطبيق ما هي مسمّاة به، فأرجو أن يتم أخذ هذه الأسئلة بعين الاعتبار: إن نتيجة هجرة مواطنين من الدول العربية "الثالثة" بسبب الصراعات الدائرة على أراضيهم، إثر أزمات أفرزتها الدول العربية ذاتها، اضطر مواطنو دول مثل سوريا، اليمن، ليبيا، مصر والعراق لمغادرة منازلهم، والسؤال، كم نسبة أولئك المهاجرين الذين استقبلتهم الدول العربية التي هي ذاتها كانت السبب في هجرة أولئك المواطنين؟.
لماذا فرّ هؤلاء المهاجرون من أوطانهم نحو تركيا بشكل خاص والدول الأوروبية، ولم يقوموا بالتوجه نحو أي دولة عربية؟ متى يمكن أن تعيش الدول العربية لأجل شعوبها، وأن تفكر في توفير حياة شريفة وآمنة لهم؟.
لماذا يقع على عاتق الدول غير العربية أن تفكر في كرامة الشعوب العربية، بدلًا من أن يفكر بذلك حكّام الدول العربية؟
ألا يكون الحكّام العرب بذلك قد قاموا بأنفسهم بإعطاء الضوء الأخضر والحق للدول غير العربية، كي يقوموا بالتدخل بالأراضي العربية؟
وفي المناسبة دعونا نتذكر ما نردّده مرارًا حتى لا يتبادر سوء فهم لأحد؛ إن تركيا تستضيف عربًا عددهم أكثر من نفوس عدة دول عربية. ولذلك فإن حقها في الحديث باسم الشعب العربي طبيعيّ لذلك السبب.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!