د. سمير صالحة - تلفزيون سوريا
قليل هوعدد من كان يعرف بالعملية العسكرية التركية في شرق الفرات لكنهم كثر الذين فتحوا الطريق أمامها عسكريا وسياسيا:
- الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كرر مرارا أن ساعة الصفر تقترب وأن تركيا ستقتلع شوكها بيدها بالتنسيق مع حلفائها في المعارضة السورية لكن الرئيس الأميركي دونالد ترمب كان يعرف الكثير فهو الذي سحب الجنود الأميركيين وأزال الحواجز لتسهيل تحرك القوات التركية وأعلن أنه سينتقم من أنقرة إذا ما ابتعدت عن التفاهمات وأمطر الأصوات المنتقدة في "قسد" بقذائف "قبضتم ثمن خدماتكم وأكثر".
- القمة الثلاثية التركية الروسية الإيرانية التي عقدت في أنقرة لبحث الملف السوري كانت تعرف الكثير أيضا حول الخطط التركية والسيناريوهات السياسية والعسكرية المحتملة. إصرار موسكو وطهران على حماية موقع ودور النظام في دمشق والعودة إلى اتفاقية أضنه الموقعة عام 1998 رافقه دائما تفهم الهواجس التركية وتحميل مجموعات وحدات الحماية مسؤولية إيصال الأمور إلى هذه النقطة.
- مجلس الأمن الدولي في جلسته الأخيرة لناحية الدعوة والنقاشات وتقارب المواقف الأميركية الروسية حول التريث والانتظار عكس حقيقة اعتماد الواقعية ومنح تركيا الفرصة لتغيير مسار الأمور في التعامل مع الملف السوري ودفعه نحو الحلحلة.
- فرنسا وألمانيا والمجموعة الأوروبية التي حضرت لتبحث قبل أسبوعين ملف اللجوء مع الأتراك اطلعت على الخطط التركية العسكرية والسياسية وأهدافها وإمكانيات تحويلها إلى فرصة لتخفيف أعباء ملفات اللجوء وإنهاء مسألة الجماعات الإرهابية وتحديدا موضوع داعش. لكنها رفضت التصور التركي كما يبدو كونه لا يجعل من هذه العواصم لاعبا أساسياً في الملف والقرارات ولأنه سيسحب الورقة الكردية من يدها ويبعدها أكثر عن تقاسم النفوذ في المنطقة لصالح موسكو وواشنطن وأنقرة.
ردة الفعل الأوروبية هي ترجمة سياسية واستراتيجية على قرار رسم المشهد السياسي والدستوري الجديد في سوريا بعيدا عن باريس وبرلين ولندن لذلك نراها تعلن الحرب وعلى كل الجبهات ضد تركيا. فرنسا وألمانيا وإنكلترا لن يجدوا إلا شريكا واحدا بعد الآن ينسقون معه وهو بعض العواصم العربية التي تحتاج هي الأخرى إلى مسند ظهر بعدما لم يعد بيدها سوى شرح قرار التحرك العسكري التركي على أنه قرار "إخواني أردوغاني" والتحضير لمسح تاريخ فرنسا وبريطانيا الاستعماري في المنطقة من الكتب الدراسية التي تستعد في طباعتها القادمة للحديث عن "الإرهاب العثماني".
وحتى نكون منصفين هنا، المؤكد هو أن الطرف الوحيد الذي لا علم له بالعملية هو جامعة الدول العربية التي تستقي المعلومات من الفضائيات ومراسليها إلى مناطق الحدود التركية السورية والتي قررت التنسيق الكامل مع بعض العواصم الأوروبية كونها هي الأخرى لم تجد مكانا لها على المائدة الأميركية الروسية والتركية. هل تفاجئنا القمة العربية وبهدف قلب المعادلات بدعوة النظام في دمشق إلى جلستها الطارئة التي تعقد بمادة واحدة الدفاع عن سوريا وسيادتها ووحدتها لكن الشعب السوري غائب عنها؟ واشنطن وباريس لن ينصحان بذلك والنظام نفسه قد لا يذهب إذا لم تقطع هذه الدول علاقتها بحليفها في شرق الفرات ثم إن الهدف هو تركيا وليس إخراج الشعب السوري من أزمته.
خيار آخر قد تلجأ إليه هذه العواصم وهو الانفتاح أكثر فأكثر على رئيس الوزراء الإسرائيلي بعدما التقت المواقف والتحليلات حيال العملية العسكرية التركية، فإسرائيل أيضا أعلنت أنها فوجئت بالعملية والموقف الأميركي ودعت للتعاون الإقليمي لحماية المكون الكردي.
بين الأهداف اللامعلنة للعملية والتي ستظهر تدريجيا إلى العلن قد تكون:
- تضييق الخناق على "وحدات الحماية" وحزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي، لإخراجه تماما من المشهد السياسي والميداني بسبب رفض النظام ودول الأستانة الثلاث والأمم المتحدة لطروحاته وأهدافه وإصراره على الاحتماء بأميركا التي أبلغته أن العقودات انتهى مفعولها.
- تفكيك تحالف "قسد" الذي ولد ميتا أصلا وظهر بقوة التهديد والابتزاز والضغوطات والرشاوى الإقليمية وبعدما تم إبعاده عن اللجنة الدستورية بقبول أممي.
- تقدم القناعة الأميركية الروسية أن حل الأزمة السورية اقترب موعده وأن العملية التركية من الممكن تحويلها إلى فرصة سياسية تساهم في دفع الملف السوري نحو التسويات.
- فتح الطريق أمام حوار بين أنقرة ودمشق بجهود روسية إيرانية طالما أن الملف السوري عرضة للذهاب في طريق أكثر خطورة على البلاد ودول الجوار.
- مواصلة مطاردة مجموعات وحدات الحماية في العمق السوري كما أعلن الرئيس التركي وبعكس ما طالب به ترمب حول حدود العملية خصوصا إذا ما استمرت هذه المجموعات في استخدام السلاح الأميركي ضد تركيا وبقية مكونات الشعب السوري.
- دفع الأمور نحو التسويات الكبرى في سوريا والتي ستكون أبعد من تشكيل اللجنة الدستورية والرهان على دورها كخشبة خلاص في سوريا.
- إفشال المشروع الإسرائيلي في شرق الفرات الهادف للوصول عبر الكيان الكردي المزمع إنشاؤه إلى مياه نهري دجلة والفرات فتنجح تل أبيب هنا في حرمان دمشق من مياه النهرين وتعلن لاحقا شراكتها فيهما عبر الحليف المحلي الجديد في شرق سوريا وشمالها تماما كما فعلت في بلدان منابع النيل مع مصر لتضييق الخناق مائيا عليها.
- أن تتوسع قريبا رقعة العمليات العسكرية وتمتد إلى إدلب ضد مجموعات النصرة التي لم تحسم قرارها بين خيارات التفكك والاستسلام والانسحاب من المشهد وإلا فإن ما تسوقه أنقرة حول حربها مع المجموعات الإرهابية سيتعثر ويتحول إلى سلاح سياسي يستخدم ضدها.
- إسقاط محاولات تكرار تجربة شمال العراق في شرق سوريا والذي اشترت بعض العواصم العربية والأوروبية فيه حق التأليف من الرئيس ترمب للمساومة عليه والتسويق له.
- سحب ملف داعش من يد قسد وتسليمه إلى أنقرة والتعاون والتنسيق الإقليمي والدولي على حله نهائياً من النواحي التقنية والأمنية والاستخبارية.
إذا ما أغضب البعض في العالم العربي ترمب أكثر من ذلك فهو لن يتردد في نشر الغسيل حول صفقات شرق الفرات ودعم وتمويل حزب الاتحاد الديمقراطي ومحاضر الاجتماعات الاستخبارية التي عقدت ولعبت القاهرة فيها دور محطة الارتباط.
اليوم تذكرت مجموعات "مسد" أن قرار سوريا هو بيد أبنائها وضرورة انسحاب القوات التركية رغم أنها تحارب بأطنان الأسلحة الأميركية وتلجأ لابتزاز أوروبا بافتعال حوادث هرب عناصر داعش من سجونهم وتحظى بكل هذا الدعم اللوجستي السياسي والإعلامي الغربي وتنتصر حسب تقارير من يروج لها في فضائيات عربية مناصرة تبنت القضية الكردية فجأة.
أولى مؤشرات الانتقام الأوروبي بعد فشل مناورة مجلس الأمن الدولي، إعلان بروكسل أنها لن ترسل القسط الثاني من المساعدات إلى اللاجئين وأنها لن تكون شريكا ممولا في خطة المنطقة الآمنة. أنقرة سترجىء إنجاز مشروع أو مشروعي التنمية والإنماء الاستراتيجيين لوقت آخر وتحول الأموال إلى اللاجىء السوري أين ما كان.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس