عبد الله مراد أوغلو - صحيفة يني شفق - ترجمة وتحرير ترك برس
اليوم و لأول مرة منذ إعلان الجمهورية التركية، يختار الشعب رئيس بلاده بإرادته الحرة. فلم تكن الانتخابات الرئاسية التي سبقت هذه الانتخابات ذات طابع شفاف، وكانت تجري في جو من الغموض وتتحكم بها أيد خفية.
ولو نظرنا إلى الماضي القريب للانتخابات، لوجدنا الكثير من الأمثلة التي تدل على تدخل القوى الخفية في سير العمليات الانتخابية، والتحكم في انتقاء الرئيس الذي من خلاله يستطيعون تحقيق مآربهم الشخصية. فحتّى منتصف العقد الماضي، كان الجيش والبيروقراطية المدنية مسيطرين على نظام الحكم في البلاد. فقد كانوا يحاولون تسيير أعمال الحكومات المنتَخبة عن طريق التهديد بالانقلابات. وبذلك كانوا هم أنفسهم يحدّدون من سيكون رئيساً للجمهورية.
فعلى سبيل المثال، عندما توفي "كمال أتاتورك" عام 1938 لم يكن في مجلس الشعب آنذاك سوى حزب الشعب الجمهوري، فاختاروا يومها الرّجل الثاني في الحزب بعد أتاتورك، وهو "عصمت إينونو" الذي انفرد بالسلطة حتى عام 1950 عندما جاء الحزب الديموقراطي واستولى على الحكم.
وفي عام 1945 تغيرت قواعد اللعبة في تركيا، فبعد الانتقال إلى مرحلة التعددية الحزبية، تمكّن الحزب الديمقراطي من الوصول إلى سدة الحكم في البلاد، وانتخب الرئيس "جلال بايار" رئيساً للبلاد. فلم يستطع الجيش والبيروقراطيون المدنيون تحمّل جو الديمقراطية السائدة في البلاد سوى عشرة أعوام، حتى أطاحوا بالرئيس "جلال بايار" عبر انقلاب عسكري في 27 أيار/مايو من عام 1961.
في انتخابات عام 1961، كان الانقلابيون يأملون في أن يحصل حزب الشعب الجمهوري على غالبية الأصوات ويفوز بذلك في الانتخابات، ولكنّ هذه الأحلام لم تتحقق بفضل تكاتف الأحزاب التى كانت تناصر الحزب الديمقراطي آنذاك بقيادة حزب العدالة.
الجدير بالذكر هنا أنّ هؤلاء الانقلابيين أعادوا صياغة دستور البلاد، وادّعوا أنّ الدستور الجديد يضاهي الدساتير العالمية آنذاك. كما أن الانقلابيين مارسوا أنواعاً عديدةً من الضغوط على مرشح الرئاسة آنذاك "علي فؤاد باشكيل" لكي يتخلى عن ترشحه لمنصب الرئاسة. وهذا أكبر دليل على أنّ هذا الدستور الجديد ما هو إلا حبر على ورق، وأنّه لم ينفذ من بنوده أي شيء.
لم يستطع المرشح "علي فؤاد باشكيل" الصمود امام هذه التهديدات, واضطر الى الانسحاب من الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية. وبذلك اختير قائد الانقلاب العسكري الذي أطاح بحكومة الحزب الديمقراطي "جمال كورسان" لمنصب رئلسة الجمهورية. وفي عام 1966 تم عزله من منصب رئاسة الجمهورية بسبب أوضاعه الصحية، وتم تعيين قائد أركانه "جودت صوناي" بدلاً منه.
استمر "صوناي" في حكم البلاد حتى عام 1973، حيث جرت انتخابات رئاسية جديدة في ظل الأجواء المشحونة بفعل الاضطرابات الناتجة عن انقلاب عام 1971. حيث كان رئيس الأركان " فاروق كورلر" يطمع في الوصول إلى كرسي الرئاسة آنذاك. فقد مارس شتى أنواع الضغوط على الأحزاب. وعلى الرغم من هذه الضغوطات، فقد كان كل من "سليمان ديميرال و بولاند أجاويد" يدعمان المرشح الآخر الجنرال "فهمي كوروترك". كما أنّ الجيش لم يكن ملتفاً حول " كورلر" حينذاك.
فبعد إجراء الانتخابات الرئاسية نجح "كوروترك" بغالبية الأصوات، وعند انتهاء فترة حكم "كوروترك" عام 1980 كانت الأوضاع في البلاد سيئة، وكان يُخشى آنذاك من حدوث حرب أهلية. وفي ظل هذه الأوضاع المتردّية للبلاد، قام "كنعان إفرين" في 12 أيلول/سبتمبر من عام 1980 بانقلاب عسكري، أطاح من خلاله بدستور عام 1961 وأجبر الشعب على الاستفتاء لصالح الدستور الجديد، كما عيّن نفسه رئيساً جديداً للبلاد.
وفيما يتعلق بانتخابات رئاسة الجمهورية، فقد أقرّ الدستور الجديد على أنّ مجلس الشعب هو الذي يستطيع اختيار الرئيس ولا يحق لاية جهة اخرى اختيار رئيس للبلاد. وبهذه الطريقة تم اختيار كل من "تورغوت أوزال" و"سليمان ديميرال" و"أحمد نجدت سيزار" لرئاسة الجمهورية.
وعندما تم ترشيح عبد الله غُل لرئاسة الجمهورية من قبل حزب العدالة والتنمية، حاول البعض عرقلة ترشحه. ولكن في نهاية المطاف تم اختيار غُل رئيساً للبلاد بحصوله على غالبية الأصوات في المجلس. وبذلك يكون الرئيس غُل آخر رئيس للجمهورية يتم اختياره عن طريق نواب البرلمان.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!