د. جمال نصار - خاص ترك برس
يعيش المسلمون بشكل عام تراجعات وانكسارات كبيرة في هذه المرحلة التاريخية التي نمر بها، نتيجة للتحديات التي تقابلها المنطقة العربية والأمة الإسلامية، وأهمها سيطرة الحكام المستبدين على مقاليد الحكم في معظم هذه البلاد، وسعيهم الحثيث لخدمة مصالحهم، وتمكين سلطانهم، وقهر شعوبهم، والاستيلاء على خيراتهم.
وتعيش الأقليات المسلمة في أماكن مختلفة من العالم مآسي حقيقية؛ نتيجة لظلم ذوي القربى من جانب، وازدواجية النظام العالمي، وغياب العدالة الحقيقية عن المجتمع الدولي من جانب آخر.
ومن هذه الأقليات المسلمة التي تعاني مسلمو تركستان الشرقية، والهند، وبورما، وغيرهم في أماكن كثيرة من العالم.
معاناة مسلمات الإيغور
يعاني المسلمون في تركستان الشرقية (الإيغور) ويلات عديدة في ظل ظلم حكومات الصين المتعاقبة لعشرات السنين؛ حيث يعانون من اضطهاد وسجن وتعذيب نفسي وجسدي، وممارسات لا تعدّ ولا تحصى، تقوم بها الصين بحق هذا الشعب المسلم منذ فترة طويلة، وخصوصًا النساء، وسط تجاهل دولي كبير.
وتقوم حكومة الصين في الآونة الأخيرة بإبادات عرقية ودينية، من خلال معسكرات اعتقال جماعي يطلق عليها "مخيمات إعادة التأهيل"، وفق خطط مدروسة وممنهجة تسعى للتحكم بالحياة الفردية والاجتماعية والدينية بشكل خاص، وهي تشبه في الحقيقة سجون تسلب كل أنواع الحرية، والحقوق الإنسانية.
ويتم الاعتداء بشكل دوري على النساء في تلك المعسكرات من قبل الجنود الصينيين، ويُجبرن على خلع الحجاب، ويُمنعن من ممارسة الصلاة، وقراءة القرآن، والالتزام بالتعاليم الإسلامية، مع إجبارهن على الامتثال للتقاليد الصينية الشيوعية!
وقد ورد في صحيفة الإندبندنت البريطانية أن إحدى السيدات المسلمات (تسمى تورسون) حكت في فترة سابقة عن تعذيبها والإساءة إليها في معسكر اعتقال بالصين، وقالت إنها تعرضت للتحقيق 4 أيام على التوالي دون نوم وحلقوا لها شعرها وصُعقت بالكهرباء، كما تعرّضت لكشف طبي متطفل في فترة اعتقالها الثانية في الصين عام 2017، وعند اعتقالها للمرة الثالثة أصبحت المعاملة أكثر سوءًا.
وكانت تقول "كنت أعتقد أنني أُفضّل الموت على تحمل هذا التعذيب، لقد توسلت إليهم كي يقتلونني"، وقالت إنها قضت 3 أشهر في زنزانة ضيقة مع 60 امرأة أخرى، وكانوا يضطرون للنوم بالتناوب، واستخدام دورة المياه أمام كاميرات المراقبة، وترديد الأغنيات التي تمجّد الحزب الشيوعي الصيني.
وتحكي تورسون أنها في أحد الأيام اقتادوها إلى غرفة وأجلسوها على كرسيٍ عالٍ، وربطوا يديها وقدميها في مكانهم، ووضعت السلطات شيئًا يشبه الخوذة على رأسها وصعقوها بالكهرباء، تقول: "في كل مرة أتعرّض للصعق أشعر بأن جسدي بأكمله يهتز بعنف وأشعر بالألم يجري في عروقي، لا أتذكر ما حدث بعد ذلك فقد خرجت رغوة بيضاء من فمي وبدأت أفقد وعي، آخر ما سمعتهم يقولونه أني مذنبة لأنني من الإيغور".
موقف الأنظمة العربية والإسلامية من هذه المآسي
معظم الأنظمة العربية والإسلامية، إلا من رحم، ارتمت في أحضان أعدائها من الصهاينة والأمريكان، وأصحاب المصالح في الغرب، وأصبحت هذه الأنظمة المستبدة تستمد شرعيتها من الكيان الصهيوني، والبيت الأبيض، وتهادن الصين، بدلًا من سعيها لخدمة شعوبها، وجلب الازدهار والتقدّم لها!
ومن ثمّ نجد أن معظم هذه الدول تقوم بتحالفات سياسية، وصفقات تجارية واقتصادية مع الصين، ولا تنطق ببنت شفه فيما يتعلق بمسلمي الإيغور حتى لا يُغضبوا الحكومة الصينية، فهذه الأنظمة لا تختلف عن الصين في ظلم شعوبها، وفرض القيود وتكميم الأفواه، وسلب الحريات، وسجن المخالفين لها من كل الفئات والأعمار، وخصوصًا في كل من: (مصر، وسوريا، والإمارات العربية المتحدة، والسعودية)، وكل من يسير في فلكهم.
وكان آخرها تصريح المنقلب الجنرال السيسي بقوله: "ما تفعله حكومة الصين مع مسلمي الإيغور هو شأن داخلي لن نتدخل فيه، كما أننا لا نقبل أن يتدخل أحد فى شؤوننا".
وفي ذات الوقت يعتقل عشرات الآلاف بدون جريرة، منهم المئات من البنات والسيدات التي تعاني من مآسي حقيقية في سجونه، وإهمال علاجهم، مما أدى إلى وفاة المعتقلة السياسية مريم سالم (32 سنة) في ديسمبر الماضي داخل سجن القناطر شمالي القاهرة، نتيجة للإهمال الطبي المتعمد من إدارة السجن، إذ كانت تعاني من تليف كبدي وارتفاع في نسبة الصفراء، ما أدى إلى حالة استسقاء في البطن. والمعتقلة المتوفاة كانت متزوجة، ولديها طفل وحيد يدعى عبد الرحمن، وكان في حضانتها داخل السجن، حتى أتم عامه الثاني، فتمّ فصله عن أمه بإيداعه دار أيتام. ولا يختلف حال الإمارات والسعودية وسوريا عن هذه المآسي، بل نجد الملايين من السوريين مشردين في كل مكان، وتعاني المرأة السورية من القتل الممنهج، وسلب كل حقوقها!
موقف مشرف من لاعب الكرة ذوي الأصول التركية
في ديسمبر من العام المنصرم، استنكر لاعب كرة القدم الألماني من أصل تركي "مسعود أوزيل" صمت العالم الإسلامي على الانتهاكات التي ترتكبها الصين بحق مسلمي الإيغور في تركستان الشرقية.
جاء ذلك في بيان نشره عبر حسابه على "تويتر" تحت عنوان "تركستان الشرقية.. الجرج النازف للأمة الإسلامية"، وقال أوزيل، المحترف في نادي أرسنال الإنجليزي، إن "العالم الإسلامي غارق في الصمت، بينما الإعلام الغربي يسلط الضوء على الانتهاكات في تركستان الشرقية"، وندد أوزيل، في بيانه، بممارسة الصين ضغوطًا لإبعاد مسلمي الإيغور عن دينهم بشكل قسري، وأضاف: "في تركستان الشرقية، المصاحف تُحرق، والمساجد تُغلق، والمدارس تُحظر، وعلماء الدين يُقتلون واحدًا تلو الأخر، والأخوة الذكور يُساقون قسريًا إلى المعسكرات".
ولفت أوزيل إلى أن السلطات الصينية تضع رجلاً شيوعيًا داخل كل أسرة مسلمة في تركستان الشرقية بعد سوق الرجال المسلمين إلى معسكرات الاعتقال، علاوة على إرغام المسلمات على الزواج من الصينيين.
والسؤال الذي يطرح نفسه أين مواقف لاعبو الكرة والرياضة بشكل عام، العرب والمسلمون، من هذه الممارسات؟!! بل أين الفنانون الذين يتباهون بأنهم سفراء الأمم المتحدة للنوايا الحسنة؟! أين النخوة والرجولة؟!
مقاطعة البضائع الصينية أضعف الإيمان
لا أمل الآن في الأنظمة المتخاذلة التي تتعاون مع حكومة الصين وتخدم مصالحها، ولا تعطي أي اعتبار للقضايا العربية والإسلامية، ولكن الدور المهم على الشعوب العربية والإسلامية التي تستطيع أن تفعل الكثير من خلال مقاطعة المنتجات الصينية، وذلك أضعف الإيمان، لعل ذلك يُسبب الخسائر للحكومة الصينية التي لا تتوانى في تعذيب ملايين المسلمين واعتقالهم في معسكرات غير آدمية.
فسلاح المقاطعة الاقتصادية سلاح فعّال له تأثيره، ويجب ألّا نستخفّ به، فهذا هو المستطاع لنجدة إخواننا وأخواتنا في تركستان الشرقية، والتاريخ الإسلامي حافل بنماذج عديدة لمقاطعة المعتدين، وكذلك التاريخ الحديث، ولعل مقاطعة البضائع الإسرائيلية والأميركية في فترات عديدة أبرز مثال على ذلك، بعد الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين، ودعم الأميركان لهم.
إن ديننا الحنيف يدعونا إلى التكاتف مع المسلمين والمسلمات الإيغور، ونصرتهم بكل الوسائل المتاحة، وأدناها الدعاء لهم، بأن يفرّج الله عنهم، والمساهمة في نشر قضيتهم، وفضح ممارسات الصين في مجال حقوق الإنسان، وتفعيل المقاطعة الاقتصادية بكل أشكالها للبضائع الصينية. وهذا أضعف الإيمان لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس