ترك برس
يستغرب البعض في يومنا الحالي، رؤية الهلال والنجمة (رمز العلم التركي والرايات العثمانية من قبل) الموجودين بشعار فريق "دروهيدا" الإيرلندي لكرة القدم.
وتحكي الروايات السياسية التركية، أن الدبلوماسي والشاعر التركي يحيى كمال بياتلي أثناء مشاركته في مباحثات لوزان عام 1923 رأى أن ممثل إيرلندا في المفاوضات يدعم الوفد التركي بعكس موقف ممثلي وفود الدول الأوروبية الأخرى. تعجب بياتلي من موقف الدبلوماسي الإيرلندي، وانتهز الفرصة ليسأله عن سبب ذلك. فأجابه" كل الإيرلنديين مثلي لابد أن يفعلوا ذلك. لأنه في الوقت الذي لم يساعدنا فيه أي أوروبي عندما كنا نواجه خطر الموت بسبب المجاعة، هب أجدادكم لنجدتنا فأرسلوا لنا المال والسفن المحملة بالغذاء. وبفضل ذلك ظل الكثير منا على قيد الحياة، ونحن لا يمكن أن ننسى اليد التي مدت لمساعدتنا في محنتنا."
ورغم مرور 173 عاماً على القحط الكبير أو ما يسمّى بـ "مجاعة البطاطا" في إيرلندا، إلا أن شعب الأخيرة، لم ينسوا المعروف الذي أسداه لهم السلطان العثماني عبد المجيد، عندما مدّ إليهم يد العون في وقت أدار فيه الجميع ظهورهم تجاه الإيرلنديين.
في القرن الـ 19 وبالتحديد عام 1945، اجتاحت إيرلندا التي كانت حينها تابعة للإدارة البريطانية، مجاعة كبيرة، لدرجة أنها من أهم الأحداث في تاريخ البلاد، وتعرف بـ"مجاعة البطاطا"، لأنها حدثت إثر تلف محصول البطاطا الذي يعد الغذاء الرئيسي للسكان، بآفة فطرية تسمى "اللفحة المتأخرة" أو فيتوفثورا إنفستنس، حيث أتلفت ثلث المحصول عام 1845. وفي السنة التالية أتلفت نحو 90% من المحصول الذي يعتمد عليه السكان في غذائهم.
وبلغت المجاعة ذروتها عام 1847 عندما اضطر الشعب الجائع إلى أكل البذور اللازمة للزراعة. وفي السنة التالية لذلك تلف نصف المحصول.
وخلال "مجاعة البطاطا"، اضطر أكثر من مليون إيرلندي للهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فيما لم يملك الطبقة الفقيرة من الشعب سوى البقاء في ديارهم، في مشهد أشبه بالاستسلام للموت.
وخلال الفترة الزمنية التي شهدت ذورة المجاعة والتي تذكرها المصادر التاريخية والروايات بـ "الـ 47 الأسود"، امتدت يد العون للشعب الإيرلندي من حيث لم يتوقعوا، من العثمانيين الذين يبعدون عنهم آلاف الكيلو مترات.
عندما علِم السلطان العثماني عبد المجيد، بنبأ المجاعة، قرر إرسال 10 آلاف جنيه إسترليني (ما يعادل اليوم قرابة 8 ملايين ليرة تركية، أي 1.3 مليون دولار) إلى إيرلندا لنجدة شعبها.
مقابل الكرم والجود العثماني، لم ترسل ملكة بريطانيا آنذاك، فيكتوريا، للشعب الإيرلندي التابع لها، سوى ألفي جنيه إسترليني.
ولكي تحافظ بريطانيا على اعتبارها طلبت من الحكومة العثمانية تقليل المبلغ إلى ألف جنيه فقط، فوافق السلطان العثماني على ذلك إلا أنه أرسل إضافة إلى المال ثلاث سفن محملة بالغذاء والأدوية والبذور اللازمة للزراعة.
ونظراً لكون إيرلندا حينها واحدة من مستعمرات بريطانيا، رفضت حكومة الأخيرة السماح لسفن المساعدات العثمانية بأن ترسو في ميناء دبلن، لذا رست السفن بميناء دروهيدا الذي يبعد 30 ميلاً عن ميناء دبلن. وهناك أفرغت السفن حمولتها.
وعقب انقضاء المجاعة، أرسل النبلاء وعامة الشعب في إيرلندا خطاب شكر للسلطان العثماني، حيث أطلع السفير التركي لدى دبلن، لفنت مراد برهان، وكالة الأناضول على نسخة منها.
ويقول الخطاب باختصار " يتقدم الشعب الإيرلندي والنبلاء الموقعون على هذا الخطاب بجزيل الشكر والتقدير لجلالة السلطان عبد المجيد على كرمه وإحسانه تجاه الشعب الإيرلندي الذي يعاني المجاعة، كما يتقدم بالشكر الجزيل لجلالته على تبرعه السخي بألف جنيه إسترليني لتلبية احتياجات الشعب الإيرلندي والتخفيف من آلامه."
ومن صور الوفاء والشكر الإيرلندي للعثمانيين، وضعهم الهلال والنجمة (شعار الدولة العثمانية) على شعار نادي دروهيدا لكرة القدم الذي أُسس عام 1919.
أما في مايو/أيار عام 2006 وخلال احتفال بلدية دروهيدا بالذكرى السنوية الـ 800 لتأسيسها، قامت البلدية بتخليد ذكرى هذه الواقعة عن طريق تعليق لوحة شكر ضخمة على جدار مبنى البلدية القديم، حيث تمت استضافة البحارة العثمانيين الذين أحضروا المساعدات خلال المجاعة.
ونقلت وكالة الأناضول للأنباء عن السفير التركي لدى دبلن، لفنت مراد برهان، إن آثار الوفاء والشكر الإيرلندي تجاه الشعب التركي، لا يزال مستمراً حتى الوقت الحاضر، مبيناً أنه يلمس ذلك في زياراته ولقاءاته المختلفة بإيرلندا.
وخلال زيارتها لتركيا عام 2010، أعربت رئيسة إيرلندا، ماري مكاليس، مجدداً عن وفاء وشكر شعبها لتركيا، قائلة: "إن الشعب الإيرلندي لم ينس أبداً هذا الكرم الذي لا مثيل له. الرموز الموجودة في علمكم (الهلال والنجمة) أصبحت شعاراً للمدينة. حتى إننا نرى أيضا هذا الشعار التركي الجميل على زي فريق كرة القدم لدينا."
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!