يحيى بستان - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس
يركز العالم في الوقت الحالي على جائحة فيروس كورونا. بلغ العدد الإجمالي للحالات المؤكدة عتبة 300.000 خلال عطلة نهاية الأسبوع، وارتفع عدد القتلى إلى 13.000. لا يوجد تفسير آخر، فالإنسانية تمر بوقت صعب. مع استمرار تطوير لقاح مضاد لفيروس "كوفيد 19" (COVID-19)، تتجه الدول إلى اتخاذ تدابير ملطفة لمكافحة الفيروس.
ظهرت المرحلة الأولى من الوباء في الصين حيث ظهر الفيروس وبدأ انتشاره. في المرحلة الثانية، ارتفع عدد الحالات المؤكدة في إيران وإيطاليا ودول أوروبية أخرى، وقد وصلنا الآن إلى المرحلة الثالثة، مع دول مثل تركيا التي اتخذت خطوات استثنائية لحماية نفسها بنجاح من الوباء، وتسعى جاهدة لإبقاء الفيروس تحت السيطرة. ارتفع عدد الحالات المؤكدة ارتفاعا كبيرا في كثير من الأماكن، حيث تبحث الحكومات الوطنية عن طرق لتجنب أن تصبح إيطاليا التالية.
ستنتصر الإنسانية في هذه الحرب بطريقة أو بأخرى، لكن الثمن الذي يتعين علينا دفعه ما يزال غير معروف. نشعر بالذعر لأن الفيروس الآن في شوارعنا. ومع ذلك، فإن كوفيد 19، مثل العديد من الأوبئة على مر السنين، إما أن ينتهي أو سيصبح تحت السيطرة.
هناك سؤال آخر يحتاج إلى إجابة: هل الاضطرابات التي تضرب العالم وتزهق مئات الآلاف من الأروح وتشرد الملايين، وتحرم الناس العاديين من التعليم المناسب والرعاية الصحية الكافية، أقل خطورة من فيروس "كوفيد 19"؟
هذا الوباء الآخر الأكثر خطورة مستمر منذ عقود. في كل يوم تستهدف حالة عدم الاستقرار دولة جديدة، فتضعفها، وتستنزف مواردها، وتشرد مواطنيها، وتخلق موجات جديدة من الهجرة غير النظامية نحو دول العالم المتقدمة. عانى العراق وأفغانستان وإيران وسوريا وأخيرا ليبيا من هذا المصير.
تواصل قوات أمير الحرب، خليفة حفتر، انتهاك وقف إطلاق النار الذي توصل إليه بوساطة دولية، واستهداف المدنيين عمدا. ولولا بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، لما سمع العالم بهذه الفظائع الجديدة: أربع نساء، تراوح أعمارهن بين 14 و20 عامًا، وطفل يبلغ من العمر 11 عامًا أصيب في قصف عشوائي على بلدة عين زارة في طرابلس. ونددت الأمم المتحدة بالهجوم بشدة.
وكما يشير مسؤولو الأمم المتحدة، تجاهلت قوات حفتر الدعوات المتكررة لوقف إطلاق النار، وكثفت هجومها المزعزع للاستقرار على الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا في ليبيا. يحتاج المجتمع الدولي إلى وقف هذا الصراع دون مزيد من التأخير لأن كل هجوم جديد يضعف ذلك البلد ويهدد بنشر عدم الاستقرار في البلدان المجاورة والاتحاد الأوروبي.
في مواجهة هذه الحقيقة التي لا جدال فيها، فإن من نصبوا أنفسهم قادة العالم لا يفعلون الكثير للمساعدة. يبدو أن الولايات المتحدة قد فكرت أخيراً بعد سنوات من الارتباك والخمول، وقررت إدارة ترامب، بتشجيع ملحوظ من فريق جديد في وزارة الخارجية الأمريكية، التعاون مع حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا. بيد أن واشنطن ما تزل مترددة في اتخاذ إجراءات ملموسة لقلب موازين القوى في ليبيا، كما فعلت في سوريا.
لدى جميع الحكومات الأوروبية، باستثناء فرنسا، وجهة نظر سلبية تجاه خليفة حفتر. ومع ذلك، فإن تواطؤ الحكومة الفرنسية في محاولة انقلاب حفتر يختبر عزم أوروبا، إذ تختلف فرنسا وألمانيا حول تطبيق حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا. تريد حكومة إيمانويل ماكرون من المسؤولين الأوروبيين مصادرة الأسلحة، في حين تريد ألمانيا تقييد مهمة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الوضع. ترى برلين أن الاقتراح الفرنسي من شأنه أن يضعف حكومة الوفاق الوطني ضد قوات حفتر، التي تتلقى الأسلحة والذخيرة والإمدادات من مصر المجاورة وعبرها.
يميل بعض المسؤولين الأوروبيين إلى اعتبار الوضع في ليبيا مجرد صراع على السلطة. ومن المفارقات أنهم يرتكبون نفس الأخطاء التي حولت فيروس كورونا إلى جائحة كما هو اليوم: إنهم يفعلون القليل جدًا، ومتأخرون جدًا. إذا أصبح لحفتر اليد الطولى في ليبيا، فإن عدم الاستقرار الناجم عن ذلك سيعني المزيد من اللاجئين، والمزيد من عدم اليقين والمزيد من الابتزاز الروسي للاتحاد الأوروبي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس