ترك برس
استعرضت وكالة الأناضول التركية في تقرير تحليلي قراءة حول أسرار عملية "إيريني" البحرية التي أطلقها الاتحاد الأوروبي قبالة السواحل الليبية، ورحّبت بها الميليشيات غير الشرعية بقيادة "خليفة حفتر" التي تتعرض في الآونة الأخيرة لخسائر فادحة على يد القوات الحكومية، بدعم تركي.
يشير التقرير إلى أن العملية العسكرية "البحرية"، تثير تساؤلات عدة حول خلفياتها وأهدافها "المشبوهة"، خاصة وأن فرنسا، التي تدعم اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، مرشحة لتكون من أكبر المساهمين في هذه العملية، ما يكشف حجم المفارقة، ومحاولة التلاعب بالعقول.
ويضيف: معسكر حفتر، الذي يُفترض نظريا أنه أكثر المتضررين من عملية "إيريني" التي تهدف إلى مراقبة وتنفيذ حظر تدفق السلاح والمقاتلين إلى ليبيا، رحب بالعملية الأوروبية، واعتبر أنها ستوقف الدعم التركي إلى حكومة الوفاق، المعترف بها دوليا.
ويتجاهل أتباع حفتر أطنان الأسلحة التي تتدفق من الإمارات ومصر والأردن على وجه الخصوص، سواء برا عبر الحدود المصرية مع ليبيا، أو جوا من أبوظبي عبر أجواء السعودية إلى مطار العقبة الأردني ومنه إلى قاعدة "الخادم" الجوية بشرق ليبيا.
وهنا مربط الفرس، فعملية "إيريني"، دورها الرئيسي تفتيش السفن، التي تنقل الأسلحة إلى ليبيا، أما بالنسبة لنقل الأسلحة والمقاتلين الأجانب برا أو جوا، فتكتفي "إيريني"، بالمراقبة الجوية وبالأقمار الصناعية دون أن يكون لها أي آلية تنفيذية لوقف تهريب السلاح بكميات كبيرة برا وجوا إلى حفتر، بينما ستسعى لخنق حكومة الوفاق بحرا، وهذا هو الفرق بين "المراقبة" و"التفتيش".
وتتضح هذه الحقيقة من خلال بيان المجلس الأوروبي ذاته، والذي أوضح مؤخرا أنه سيتم استخدام الموارد الجوية والبحرية والأقمار الصناعية لفرض الحظر على تصدير السلاح إلى ليبيا، وأن العملية "ستسمح على وجه الخصوص بإجراء عمليات تفتيش على متن السفن قبالة السواحل الليبية، يشتبه في نقل الأسلحة.. إليها أو منها".
فحتى الصحافة الفرنسية ذاتها وصلت إلى نفس الاستنتاج، حيث علقت صحيفة "جون أفريك"، على هذا البيان بالقول "إن السفن، في نهاية المطاف، هي المستهدفة من طرف معايير الإلزام (التفتيش الإجباري)".
بينما وصف رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي خالد المشري، مهام العملية العسكرية الأوروبية بأنها تعتمد "معايير مزدوجة".
وهذا ما يفسر الترحيب الكبير لأتباع حفتر بعملية "إيريني"، واعتبارها ستحُد من الدعم التركي للحكومة الشرعية في ليبيا، والذي وازن الدعم الكبير الذي تحظى به مليشيات حفتر من فرنسا وروسيا والإمارات ومصر والسعودية والأردن والنظام السوري.
بعد أسبوع فقط من إطلاق الحكومة الليبية "عملية عاصفة السلام"، أعلن الاتحاد الأوروبي في 31 مارس/ آذار الماضي، إطلاق عملية إيريني، التي تعني باللغة اليونانية "السلام"، في توقيت جد حساس، حيث تغرق أوروبا، وخاصة إيطاليا وفرنسا وألمانيا، في مواجهة مصيرية مع فيروس كورونا، الذي يغزو العالم.
فمنذ 25 مارس المنصرم، حققت قوات الوفاق نتائج غير متوقعة بعد اقتحام قاعدة الوطية الجوية (140 كلم جنوب غرب طرابلس)، وإسقاط عدة طائرات مقاتلة ومسيرة، وتدمير غرفة عمليات سرت الكبرى التابعة لحفتر، والقضاء على نحو 200 من قادة ومسلحي حفتر، خاصة في محور الوشكة غرب مدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس).
كما تمكن طيران الوفاق من تقطيع أوصال خطوط الإمداد لمليشيات حفتر، من قاعدة الجفرة الجوية (650 كلم جنوب شرق طرابلس) إلى غاية مدينة ترهونة (90 كلم جنوب شرق طرابلس)، مرورا بمدينة بني وليد (180 كلم جنوب شرق طرابلس)، فارضا بذلك هيمنة على سماء المعركة بالمنطقة الغربية لأول مرة منذ أبريل/ نيسان 2019.
لذلك، فإسراع الاتحاد الأوروبي في الإعلان عن "إيريني" في هذا التوقيت بالذات، وقبل حتى تشكيل القوة البحرية التي ستتولى تنفيذ العملية، ودون تفويض من مجلس الأمن الدولي، ورغم معارضة الحكومة الليبية، يهدف إلى تقييد قوات الوفاق، ومحاصرتها وتقويض انتصاراتها، وفي الوقت ذاته إطلاق أيدي الدول الداعمة لحفتر لتهريب السلاح إلى شرق ليبيا برا وجوا، مما يعني انحيازا صارخا لطرف دون آخر، ما ينزع عن الاتحاد الأوروبي صفتي "الحياد" و"المصداقية".
وهذا ما أوضحه وزير الخارجية الليبي محمد الطاهر سيالة، عندما قال "الشكل الراهن للعملية يضعها موضع اتهام، بأن المستهدف هو حكومة الوفاق، في إغفال وتجاهل تام لأي رقابة على عملية تسليح حفتر".
لم تتضح بعد الدول التي ستساهم بسفنها وطائرات الاستطلاع في عملية إيريني، لكن ألمانيا وفرنسا أكثر المتحمسين لها، وإيطاليا بالطبع بالنظر إلى أن مقر العملية سيكون على أراضيها، بالنظر إلى قرب موانئها من السواحل الليبية.
ولكن المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي بيتر ستانو، أشار إلى مشاورات تجري بين الدول الأعضاء لتحديد مساهمتها في إيريني، وأنه تم تشكيل مجموعة عمل في هذا الصدد، وأيضا لتحديد آليات التشغيل.
أما الخارجية الألمانية، فأوضحت أن هدف إيريني، حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا والذي تفاهم بشأنه قادة الدول المشاركين في مؤتمر برلين في يناير/كانون الثاني الماضي.
وأضافت الخارجية الألمانية، أن من بين أهداف العملية "جمع معلومات حول صادرات النفط غير القانونية"، لكنها لم تتحدث عن "منع" تصدير حفتر للنفط إلى الإمارات ومصر، بأقل من سعره الحقيقي، في الوقت الذي يغلق فيه أنصاره حقول وموانئ النفط، التي تسيرها المؤسسة التابعة لحكومة الوفاق في طرابلس، لحرمانها من موارد المحروقات.
والمهمة الثالثة لإيريني، التي تحدثت عنها الخارجية الألمانية، مكافحة تهريب البشر وتدريب خفر السواحل الليبي، بينما أوضح المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي أن البحث والإنقاذ في البحر المتوسط لن يكون جزءا من مهام العملية.
وفرنسا التي رحبت بإطلاق العملية، كانت أكثر صراحة حول بعض أهدافها الحقيقية، عندما صرحت المتحدثة باسم خارجيتها أغنيس فون دير مول، إن "هذه العملية تظهر التزام الأوروبيين الحازم بالعمل معا للدفاع عن مصالحهم السياسية والأمنية، التي هي في خطر في سياق الأزمة الليبية".
فإيريني، لم تُطلق من أجل السلام في ليبيا، بل للدفاع عن مصالح الأوروبيين في أحد أغنى البلدان الإفريقية بالنفط والغاز، بعد أن شعروا بالخطر الذي يشكله الحضور القوي لتركيا وروسيا في البلاد، مما قد يسحب البساط من تحت أرجلهم في البلد الذي يعتبرونه حديقتهم الخلفية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!