د. سمير صالحة - خاص ترك برس
منذ سنوات وأنقرة تحذر القيادات السياسية والعسكرية وأجهزة الاستخبارات الأميركية والأوروبية من مخاطر سياستها الانفتاحية على مجموعات "حزب العمال الكردستاني" الإرهابي بلباس "وحدات حماية الشعب" في سوريا. الاستخبارات التركية زودت أيضا هذه العواصم بالكثير من الأشرطة والتسجيلات والصور التي تكشف النقاب عن حجم التنسيق بين "حزب الاتحاد الديمقراطي" الإرهابي في سوريا وتنظيمات ارهابية أخرى بينها مجموعات "أنتيفا" التي أعلن الرئيس الأميركي أنه قد يطالب بتصنيفها على لوائح الإرهاب داخل الولايات المتحدة الأميركية بسبب تورطها في أعمال الشغب وتحريض المواطنين على العصيان والتمرد ومهاجمة المؤسسات الرسمية والخاصة بعد حادثة مقتل المواطن من أصول إفريقية جورج فلويد على يد أفراد من الشرطة في مدينة منيابولس الأميركية.
التنسيق بين حزب العمال وهذه المنظمة قديم بدأ في قنديل وانتقل إلى سوريا لاحقا. لكن "بي كا كا" استفاد لسنوات من دعم عناصر هذه المجموعات في الغرب التي كانت تقدم له خدمات الدعاية والترويج وجمع التبرعات ولعب دور صلة الوصل بين المؤسسات والأجهزة الغربية وأنصار الحزب الإرهابي.
"قسد" شكلت مجموعات قتالية تابعة لأنتيفا دربتها وسلحتها وأرسلتها لمحاربة الجيش السوري الحر والقوات التركية في شمال سوريا وشرق الفرات. التمويل هو أميركي دون شك لأن ما يجري كان على مرأى ومسمع واشنطن التي لم تهتم. ترامب يريدنا التضامن معه عندما يقرر تحويل هذه المجموعات إلى إرهابية في الداخل الأميركي لكنه يتجاهل مسألة إرسالها إلى سوريا لتحارب إلى جانب "قسد"!
فقط عندما تحركت في المدن الأميركية تذكر البيت الأبيض أنها مجموعات متطرفة فوضوية مرتبطة بأكثر من جهاز ومركز قرار يديرها كما يشاء. ما الفرق بين مجموعات داعش الإرهابية التي انتقلت من عواصم غربية إلى سوريا والعراق وبين مجموعات "أنتيفا" التي انتقلت من عواصم غربية أيضا لتقاتل إلى جانب تنظيم إرهابي يتنقل على خط قنديل القامشلي؟ ولماذا لم يؤخذ بما قالته ودعت إليه تركيا أكثر من مرة منذ العام 2013 حول تواجد ونشاطات هذه المجموعات في سوريا؟ وكيف غاب عن أجهزة الاستخبارات الأميركية طريقة عمل هذه العناصر بدون هيكلية علنية وقيادات معروفة ونشاطات مشبوهة؟ أسئلة طرحتها القيادة التركية على حلفائها في الغرب أكثر من مرة دون تلقي الإجابة. أميركا والعديد من العواصم الأوروبية كانت تعرف جيدا تحركات هذه المجموعات وطريقة عملها وأهدافها وهي حاولت الاستفادة منها في أكثر من قضية داخلية وإقليمية عبر اللوبيات والأجهزة الامنية والاستخباراتية. المنطق الأميركي الأوروبي كان يقول "فخار يكسر بعضه" في الشرق الأوسط ودول العالم الثالث بين تنظيمات إرهابية متطرفة جهادية بلباس ديني أو عرقي أو إيديولوجي وأن المهم هو القضاء على الجانبين بعيدا عن المدن والمصالح الغربية فلم تسلم الجرة هذه المرة في محاولة تصدير الإرهابيين إلينا نتقاتل معهم أو نتقاتل بهم.
الكيل بمكيالين هو الذي وصل إلى طريق مسدود هذه المرة وتحولت المجموعات إلى بوميرانغ ينطلق من أميركا إلى شمال سوريا ثم يعود إليها ليهدد مركز الانطلاق. منذ العام 2016 والقيادات الأميركية تردد أن مجموعات أنتيفا فوضوية قمعية متطرفة وأعلن ترامب أن فريق عمله يدرس حظرها في البلاد لكننا لم نشاهد أية ترجمة عملية بهذا الاتجاه. فقط عندما بدأت هذه المجموعات تهدد حسابات ترامب نفسه في البقاء لحقبة جديدة داخل البيت الأبيض تنبه إلى أنه إذا لم يتعامل بسرعة مع عناصرها التي تحرك الأزمة المتفاعلة في شوارع وساحات المدن الأميركية الكبرى فسيدفع الثمن باهظا.
ستتضامن أنقرة مع واشنطن حتما في هذه الأجواء الصعبة لكنها ستطالب بإخراج الملفات والوثائق التي قدمتها من أدراج المكاتب للسؤال ماذا أنتم فاعلون مع هذه المجموعات في سوريا والعراق وكيف ستنهون شراكتها بتنظيم تعلنونه إرهابيا لكنكم تواصلون تقديم الدعم له للاعتداء على تركيا؟ كيف سيقدم ترامب على خطوة من هذا النوع والضباط الأميركيون هم الذي يتولون تدريب مجموعات إرهابية في شمال سوريا تتولى هي أيضا تدريب وتوظيف "أنتيفا" في معاركها ومن أجل تحقيق أهدافها؟
ما يمكن لترامب أن يفعله إلى جانب نقاش تصنيف أنتيفا تنظيما إرهابيا هو إنهاء تواجد هذه العناصر في جبال قنديل وشرق الفرات وقطع علاقتها بتنظيم العمال الإرهابي ومراجعة السياسة الأميركية في شمال سوريا ككل والعودة السريعة إلى تبني ما قالته أنقرة حول هذه المجموعات والتهديدات التي تشكلها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس