ترك برس
يرى الباحث البريطاني المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، كليمنت هوفمان، أن المواجهة المشتعلة بين تركيا وواليونان في شرق البحر المتوسط، ليست في حقيقتها صراعا على الغاز الذي تراجعت أسعاره ويعاني ضعف الطلب وخروج المستثمرين، وإنما نتيجة الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة في المنطقة.
شرق البحر المتوسط
ويستهل هوفمان مقاله في "ذا كونفرزيشن" بالإشارة إلى أن الصراع التركي اليوناني حول النفط والغاز كان مرتبطا حتى وقت قريب بمشكلة قبرص، إذ كانت تركيا تنقب قبالة سواحل قبرص التركية لكن المواجهة الحالية حولت الصراع بشكل كبير إلى البحر المفتوح.
ويضيف أن تركيا تطالب بحقوق الاستغلال في منطقة تدعي أنها جرف قاري، في حين تدعي اليونان أن جميع جزرها المأهولة محاطة بمنطقة اقتصادية خالصة (EEZ) بطول 200 ميل ، وفقًا لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وتركيا ليست طرفا فيها.
ووفقا لهوفمان، فإن التطبيق الأعمى لقواعد اتفاقية الأمم المتحدة يقصر حقوق استغلال تركيا في زاوية صغيرة حول خليج أنطاليا.
ويضيف أن مطالبة تركيا بحصة معينة من الكعكة البحرية تجد تفهما خاصا من قبل ألمانيا، في حين لم يتمكن قادة الاتحاد الأوروبي من الاتفاق على فرض عقوبات جديدة على تركيا لإضافتها إلى تلك التي فرضوها سابقًا ردًا على التنقيب قبالة قبرص.
ازدهار الغاز
ويتساءل هوفمان: هل من المربح مع انخفاض أسعار الغاز السعي لاستخراج هذه الموارد في الوقت الحالي؟ ويضاف إلى ذلك أن التنقيب عن الغاز وإنتاجه، خاصةً في قاع البحر، يحتاج إلى استثمارات ضخمة مسبقًا، بغض النظر عن التكلفة الجيوسياسية.
ومن ثم ليس من الغريب أن تفضل إسرائيل الآن الطاقة الشمسية على محطات الطاقة التي تعمل بالغاز ، في حين توقف الحفر (القانوني) قبالة قبرص تمامًا.
ويجيب فيما يتعلق بتركيا فإنها متعطشة للنمو القائم على النفط والغاز وتحتاج بشكل عاجل إلى مزيد من العملات الأجنبية لدعم عملتها التي تراجعت. ومن ثم يبدو السعي وراء ثروة الطاقة أمرًا بديهيًا.
ويضيف أن "تركيا تدعي بحزم أن موقفها دفاعي أكثر من كونه توسعيًا، لكن بعض المعلقين يشيرون إلى استراتيجيتها "الوطن الأزرق" في شرق البحر الأبيض المتوسط، التي تعني مراجعة الحدود المتفق عليها في معاهدة لوزان لعام 1923".
التحالفات الإقليمية
أدى الحزم التركي أدى بطبيعة الحال إلى تحفيز الخصوم المحتملين - بما في ذلك اليونان وقبرص ومصر وفرنسا وكذلك العراق - حيث تشن القوات التركية عملية كبيرة ضد تنظيم بي كي كي الانفصالي. في غضون ذلك، أصبحت الإمارات العربية المتحدة رأس حربة لهذا التحالف.
ويقول الكاتب إن "بعض دول الخليج ومصر ترى في موقف تركيا وقطر المؤيد للإخوان المسلمين، بالإضافة إلى اتفاقيات التعاون العسكري مع حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، إلى جانب اتفاقية المنطقة الاقتصادية الخالصة بين تركيا وليبيا، يُظهر ذلك مدى ارتباط صراع الغاز بالحرب الأهلية في ليبيا.
وعلى ذلك يمكن رؤية اتفاق السلام الإماراتي مع إسرائيل في ضوء هذا التوسّع التركي الذي التزمت تل أبيب الصمت تجاهه بشكل واضح.
ولكن إذا كانت إسرائيل تدعم التحالف ضمنيًا، فإن قوة أخرى في البحر الأبيض المتوسط، برئاسة رئيس أعلن أن حلف شمال الأطلسي "ميت دماغًا" في عام 2019، يقدم دعما علنيا لهذا التحالف.
ويضيف أن زيارة إيمانويل ماكرون إلى بيروت لم تكن مصادفة بأي حال. وقد تعهّد هو والإمارات العربية المتحدة بالمشاركة في تمويل إصلاحات الموانئ، واستباق محاولة تركيا نفسها. لدى فرنسا الآن اتفاقيات عسكرية مع الإمارات واليونان وقبرص ومصر، وكلها موجهة نحو كبح تصرفات عضو في الناتو ومرشح للاتحاد الأوروبي.
وخلص هوفمان إلى إن "الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة وليس الغاز هو ما يؤجج الخصومات الإقليمية. فمع خروج الولايات المتحدة واستمرار موسكو في سياسة حافة الهاوية المبهمة وانقسام الاتحاد الأوروبي حول تركيا، فإن المشهد للأسف مهيأ لمزيد من عدم الاستقرار في المستقبل".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!