ترك برس
يرى الدكتور حسين ايشيقسال، عضو هيئة التدريس بجامعة الشرق الأدنى قسم العلاقات الدولية، أن الغرب لا يستسيغ الاعتراف بحقيقة "تركيا الصاعدة"، فمفاوضات عضويتها في الاتحاد الأوروبي، كانت مثل ماراثون لا ينتهي.
وأوضح في مقال نشرته وكالة الأناضول أن تلك المفاوضات توقفت خلال المرحلة الماضية، بسبب فرض الاتحاد على أنقرة معايير مزدوجة لم يفرضها على أي دولة مرشحة لعضوية الاتحاد من قبل.
وأشار إلى أن المجموعات التي تعارض عضوية أنقرة في الاتحاد، ادعت أن تركيا لا تنتمي إلى أوروبا، وعبّرت مرات عديدة عن أنها تشكل تهديدًا على الهوية والحدود والثقافة الأوروبية.
وتابع المقال: بالطريقة ذاتها، تم إطالة أمد المفاوضات القبرصية منذ عام 1968 حتى وقتنا الحالي، وتحميل الجانب القبرصي التركي وتركيا تبعات هذا الفشل.
ومنذ تقدمت تركيا بطلب الحصول على العضوية الدائمة في الاتحاد الأوروبي، منذ عام 1987، جرى الربط بين مفاوضات الانضمام إلى عضوية الاتحاد والقضية القبرصية، في تقارير مجلس أوروبا حول عملية انضمام تركيا وجميع التقارير السنوية المنشورة حول أنقرة.
علاوة على ذلك، دعيت تركيا إلى تطبيع علاقاتها مع الإدارة القبرصية الجنوبية التي لا تعترف بها رسميًا، وفتح موانئها الجوية والبحرية أمام الجانب القبرصي الجنوبي.
من ناحية أخرى، يواصل الاتحاد الأوروبي حرمان القبارصة الأتراك من الاعتراف على المستوى الدولي، وما يتبع ذلك من النقل الدولي والتجارة الحرة والرياضة والأنشطة الثقافية، وهي الأنشطة التي عُرِّفت على أنها "حقوق إنسان" منذ عام 1964 وينبغي التعامل معها بشكل مستقل عن الاعتراف السياسي.
كما يلعب الاتحاد الأوروبي، اليوم، بالورقة اليونانية والقبرصية الجنوبية في شرق البحر المتوسط، ليفقد بذلك صفة الحياد، التي تحتم عليه الوقوف على مسافة واحدة من الجانبين القبرصيين التركي واليوناني.
ولا يريد الاتحاد في الواقع الاعتراف بـ"تركيا الصاعدة" في المنطقة، لذلك يلجأ من خلال فرنسا، التي تقود "الوجه القبيح للمواقف العدوانية في الجبهة المناهضة لتركيا"، إلى تصعيد التوتر في شرق المتوسط وغض الطرف عن الألعاب السياسية للإدارة الجنوبية في قبرص.
ويبرر الاتحاد مواقفه بالحاجة إلى تقليل عجز الطاقة في أوروبا والاعتماد عليها، ودعم اليونان كونها عضو في الاتحاد، والتقليل من أعبائها في قضية اللاجئين، إلا أن هناك بالفعل خطط استراتيجية أعمق، يجري حياكتها في الخفاء.
ورغم أن الغرب يصف مستوى الرخاء الذي وصل إليه اليوم بأنه "انتصار العلم والنظام والتكنولوجيا"، إلا أنه لا يخفى على أحد أن أساس هذه الثروة أتى عبر استغلال موارد المستعمرات والعبودية.
منذ القرن السادس عشر، عندما بدأ الأوروبيون في الهيمنة على العالم، عمدوا إلى نقل كل ثروات السكان المحليين في المستعمرات إلى بلدانهم.
وبعد حركات "استقلال المستعمرات" التي بدأت بعد الحرب العالمية الثانية، غيرت الدول الغربية استراتيجيتها واختارت منح المستعمرات استقلالها بشرط بقاء إدارة الاقتصاد في أيدي القوى الاستعمارية.
وبالفعل، فإن جزءا كبيرًا من المصارف المركزية بإفريقيا، إضافة إلى قطاعات النقل والاتصالات والنفط وشركات الطاقة الكهربائية والبنوك، لا تزال بيد فرنسا.
ولا تخفي باريس أبدًا انزعاجها من مبادرات تركيا بالقارة السمراء، إضافة إلى نفوذ أنقرة المتزايد في ليبيا، والذي ينطلق من دعمها للحكومة الشرعية في طرابلس، بينما ينصب دعم باريس على أحد أبرز أمراء الحرب خليفة حفتر.
ولاشك أن أكثر أنواع التجارة التي تحقق أرباحًا طائلة للدول الغربية المتقدمة، هي تجارة وبيع الأسلحة، التي تنهك اقتصادات الدول المستوردة واستثماراتها في القطاعات الأخرى، بينما توفر قيمة مضافة كبيرة للبلدان المصدرة.
ويجب التأكيد على أن شراء الأسلحة يخلق تبعية طويلة الأمد، بسبب الحاجة إلى التحديث، ويؤدي أيضًا إلى تبعية سياسية واقتصادية للبلدان المستوردة، لصالح البلدان المصدرة.
وفي هذا الإطار، عمدت تركيا خلال السنوات الأخيرة إلى تعزيز صناعاتها الدفاعية، لتدخل قائمة الدول المصدرة للأسلحة، ما أدى إلى امتعاض واسع داخل تلك الدول.
كما أن خط أنابيب الغاز العابر للأناضول "تاناب"، والتيار التركي، وخط أنابيب الغاز الروسي التركي، وخط نقل الغاز الطبيعي في شرق الأناضول، وخط أنابيب الغاز الطبيعي باكو-تبليسي-أرضروم، وغيرها من المشاريع الحيوية، حوّل تركيا إلى مركز للطاقة.
وقد جاء اكتشاف حقل الغاز الطبيعي في البحر الأسود الشهر الماضي باحتياطي بلغ 320 مليار متر مكعب، ليفتح بوابة جديدة تعزز تركيا من خلالها أنشطة التنقيب المستمرة أصلًا في شرق المتوسط.
وسيخفّض تحوّل تركيا إلى مركز للطاقة، اعتماد أنقرة على الطاقة المستوردة من الخارج، ويعطيها دفعة قوية نحو الأمام، لتحقيق أهدافها السياسية والتحرك بقوة أكبر في العديد من المجالات.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!