د. علي حسين باكير - عربي 21
فرضت إدارة ترامب في 14 كانون الأول (ديسمبر) الجاري عقوبات على تركيا بذريعة الخلاف الجاري حول اقتناء تركيا نظام الدفاعي الصاروخي الروسي (أس400). واستندت الإدارة في قرارها هذا على قانون مكافحة أعداء الولايات المتّحدة (كاتسا)، والذي تمّ إقراره في النصف الثاني من العام 2017.
وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو أشار إلى أن "الإجراءات التي اتخذت تبعث برسالة واضحة مفادها أن الولايات المتحدة ستطبّق قانون (كاتسا) بشكل كامل، ولن تتساهل حيال أي صفقات كبيرة تتم مع قطاع الدفاع الروسي".
وردّا على هذا الإجراء، صدرت إدانات متعددة من عدد كبير من المسؤولين الأتراك تقدّمهم رئيس الجمهورية ووزير الخارجية ووزير الدفاع ومدير رئاسة الصناعات العسكرية الذي شكلته بشكل شخصي العقوبات إلى جانب عدد آخر من المسؤولين في رئاسة الصناعات الدفاعية. أجملت كل المواقف على إدانة هذه العقوبات على أنّها خطوة مرفوضة وخاطئة سياسياً وقانونياً، والأهم أنّها ستكون بمثابة دافع للاستمرار في نفس النهج السابق الذي يعمل على تطوير قطاع الصناعات الدفاعية في البلاد وتحديث القوات المسلحة التركية.
وتربط الولايات المتّحدة بين هذه العقوبات وبين اقتناء تركيا لمنظومة دفاع جوّية روسية مع تشديدها على أنّه لا يجوز لدولة تنتمي إلى حلف شمال الأطلسي أن تمتلك أسلحة روسية أو أن تنخرط في تعاون دفاعي مع موسكو. لكن، وفي نظرة فاحصة على أعضاء حلف شمال الأطلسي، سنلاحظ أنّ عدداً منهم كرومانيا وتشيكيا وسلوفاكيا وبلغاريا يستخدم ويوظّف معدّات عسكرية روسية في سياساته الدفاعية.
فضلاً عن ذلك، تُعدّ اليونان أوّل عضو في حلف شمال الأطلسي يشتري منظومة دفاع جوّية روسية في نهاية التسعينيات من القرن الماضي. لقد اختبرت أثينا النظام في العام 2013، ونشرته كذلك في جزيرة كريت التي شهدت مؤخراً زيارة لوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، حيث عبّر من هناك عن دعمه لليونان وزيادة التعاون الدفاعي معها. اليونان تمتلك سلسلة من الأسلحة الروسية الصنع، لكنّ ذلك لم يثر أبداً حفيظة أمريكا، ولم يتم اتخاذ أي إجراءات ضدّها، وهو ما يثير التساؤلات عن السياسة المزدوجة التي يتمّ اتبعاها مع تركيا، وعن الهدف الحقيقي من العقوبات.
قد تضغط واشنطن على حلفائها الأوروبيين لكي يتراجعوا عن التعاون مع أنقرة في المسائل المتعلقة بالصناعات الدفاعية. هذه الخطوات تُعرقل بالفعل بعض المشاريع الكبرى أو تُبطئ من عملها ممّا يؤثر سلباً بالضرورة على نشاطها وعلى حجمها وعلى عمليات التطوير التي تشهدها.
وفيما يتعلّق بالانعكاسات المحتملة لهذه العقوبات على تركيا، يوجد تباين واضح في التقييمات. البعض ذهب إلى أنّ تأثير هذه العقوبات سيكون محدوداً لعدّة اعتبارات لعل أهمّها أنّ هذه العقوبات تطال رئاسة الصناعات الدفاعية وليس شركات الصناعات الدفاعية نفسها أو المؤسسات التي تتعامل معها، وبالتالي من الممكن تحويل أو تفويض المهام الرئيسية التابعة لرئاسة الصناعات الدفاعية التي يُعتقد أنّها قد تتعرقل نتيجة للعقوبات الأمريكية إلى مؤسسات أخرى وسيطة.
البعض الآخر بالغ في رسم تأثير هذه العقوبات في وقت تبدو فيه أنّها صمّمت لكي لا تستهدف الاقتصاد التركي مباشرة. لكن من المهم ملاحظة أنّ العقوبات تمنع تصدير الموافقات على التكنولوجيا الأمريكية المستخدمة في الصناعات الدفاعية التركية، وتمنع أيضا القروض وتضغط على المؤسسات الدولية لكي لا تُقرض الهيئة الحكومية التركية.
علاوةً على ذلك، فقد تضغط واشنطن على حلفائها الأوروبيين لكي يتراجعوا عن التعاون مع أنقرة في المسائل المتعلقة بالصناعات الدفاعية. هذه الخطوات تُعرقل بالفعل بعض المشاريع الكبرى أو تُبطئ من عملها ممّا يؤثر سلباً بالضرورة على نشاطها وعلى حجمها وعلى عمليات التطوير التي تشهدها.
لكن الكلمة الفصل في اعتقادي في تقدير تأثير العقوبات الأمريكية يرتبط في حقيقة الأمر بالهدف النهائي من هذه العقوبات والمدّة التي سيجري تطبيقها فيها. بمعنى آخر، إذا كانت هذه العقوبات مُجرّد تمهيد لعقوبات أوسع أو إذا كانت ستفرض لمُدّة طويلة، فسيكون لها نتائج سلبية من دون شك تتعلق بعرقلة عمل قطاع الصناعات الدفاعية التركية وزيادة الضغط عليه بشكل يؤدي إلى زيادة التكلفة وإبطاء العمل.
في المقابل، فقد تدفع هذه الصعوبات والتحديات في نهاية المطاف القطاع إلى مزيد من الإستقلالية بدليل أنّ فكرة تطوير قطاع وطني للصناعات الدفاعية كانت قد ولدت عملياً بعد العقوبات التي فرضتها الولايات المتّحدة على تركيا في السبعينيات من القرن الماضي وذلك على خلفية الأزمة القبرصية. ومنذ ذلك الحين، تطور القطاع بشكل كبير على مراحل متعددة كان لافتاً خلالها أنّ القفزات الكبرى جاءت بعد زيادة الضغط الغربي على تركيا ومحاولة حرمانها من الحصول على أسلحة استراتيجية تساهم في تطوير قواتها المسلحة وحماية أمنها القومي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس