د. علي محمد الصلابي-خاص ترك برس
في الذكرى التاسعة والستين لعيد استقلال ليبيا، وهو يوم يجسد انتصاراً وطنياً لكل الليبيين، حيث يُذكرنا ببطولات الأجداد والآباء الذين كافحوا وناضلوا وجاهدوا وخضَّبوا بدمائهم الطاهرة تراب ليبيا إيماناً بقضيتهم العادلة في الحرية والاستقلال.
وبناء على ذلك، واستلهاماً للنضال والكفاح الوطني، فإن على الأبناء والأحفاد استحقاق وطني واجب ديني وإنساني، وهو التفاعل مع التحديات التي تعصف في بلادنا، وتخليص ليبيا من هذه العصابات الإجرامية والفاسدة التي أفقدت الدولة سيادتها، وساهمت في تمزيق الوطن وبيعه في أسواق النخاسة العالمية من خلال مناصبهم التي استغلوها في تدمير البلاد، وفشلوا في تحقيق السلام والمصالحة والتوزيع العادل للخيرات الوطنية.
إن بلادنا اليوم في أمس الحاجة إلى مشروع وطني ديمقراطي سلمي، يُؤمِن بالحريات والعدالة الاجتماعية والمصالحة الشاملة والدولة المدنية ودولة القانون والدستور والقضاء العادل، وإفراز قيادات وطنية حقيقية منتخبة من قواعدها الشعبية، وليست مفروضة من أحد على شعبنا.
عليكم أن تُراقبوا الله قبل كل شيء، وذلك في المال العام، وفي سياسة البلاد وسيادتها، وبناء المؤسسات، وتقدم مصلحة الشعب والوطن على المصالح الضيقة والآنية والانتهازية، فلا نرى في واقعنا إلا انهياراً أخلاقياً وقيمياً، وإحساس بالوطنية شبه مفقود، وانتهاك لحقوق الإنسان بمشاركَة من تلك القيادات الهزيلة.
إن القيادات الليبية الحالية، ساهمت في إضعاف مؤسسات الدولة، وتقسيم البلاد سواء بقصد أو بغير قصد، وليس لديها من الإمكانات القيادية، ولا فقه وفلسفة بناء الدول ولا الارتقاء بالشعوب أي فهم أو إدراك، وهؤلاء لا يمكن تحييدهم إلا بوعي شعبي وحركة وطنية متماسكة، لها زعامة سياسية ومجتمعية حقيقية، تقود الشعب نحو التغيير، وتستلهم من خطى الأجداد طريقهم وتجاربهم النضالية والجهادية والبطولية الملحمية.
وتأسيساً على ذلك، فإن بلادنا اليوم في أمس الحاجة لزعماء وقامات وطنية على شاكلة أحمد الشريف السنوسي أو الملك السابق محمد إدريس السنوسي أو بشير السعداوي وسليمان الباروني وغيرهم (رحمهم الله جميعاً)، وهذه القيادات تدرك حق شعبنا الليبي الكريم بالحرية والاستقلال والعيش بسلام، وبضرورة الخلاص من العنف والهيمنة والاستغلال الإملاءات الخارجية.
وبهذه المناسبة رأيت أن أذكركم بخطاب الاستقلال وبناء الدولة الوطنية للملك الراحل محمد بن إدريس السنوسي، وذلك في 24 ديسمبر 1951م، حيث بدأ الملك خطابه بعد البسملة، بكلمة مفتوحة وجهها إلى عموم الشعب الليبي، قائلاً:
"إلى شعبنا الكريم: يسرنا أن نعلن للأمة الليبية الكريمة أنه نتيجة لجهادها، وتنفيذاً لقرار هيئة الأمم المتحدة الصادر في 21 نوفمبر 1949 م، قد تحقق بعون الله استقلال بلادنا العزيزة وإنا لنبتهل إلى المولى بأخلص الشكر وأجمل الحمد على نعمائه، ونوجه إلى الأمة الليبية أخلص التهاني بمناسبة هذا الحادث التاريخي السعيد، ونعلن رسمياً أن ليبية منذ اليوم أصبحت دولة مستقلة ذات سيادة، ونتخذ لنفسنا من الان فصاعداً لقب صاحب الجلالة ملك المملكة الليبية المتحدة، ونشعر أيضاً بأعظم الاغتباط لبداية العمل منذ الان بدستور البلاد كما وضعته وأصدرته الجمعية الوطنية في 6 محرم سنة 1371 ه/ 7 أكتوبر 1951 م، وإنه لمن أعز أمانينا كما تعرفون أن تحيا البلاد حياة دستورية صحيحة، وسنمارس من اليوم سلطاتنا وفقاً لهذا الدستور، ونحن نعاهد الله في الفترة الخطيرة التي تجتازها البلاد أن نبذل كل جهدنا حتى تحتل بلادنا العزيزة المكان اللائق بها بين الأمم الحرة. وعلينا جميعاً أن نحتفظ بما اكتسباه بثمن غالٍ، وأن ننقله بكل حرص وأمانة إلى أجيالنا القادمة.
وإننا في هذه الساعة المباركة نذكر أبطالنا، ونستمطر شابيب الرحمة والرضوان على أرواح شهدائنا الأبرار، ونحيي العلم المقدس رمز الجهاد والاتحاد وتراث الأجداد، راجين أن يكون العهد خيراً وسلاماً للبلاد، ونطلب من الله أن يعيننا على ذلك ويمنحنا التوفيق والسداد، إنه خير معين".
ولعل من أروع القصائد الوطنية التي كُتبت في هذه المناسبة التاريخية، قصيدة الشاعر الليبي الكبير أحمد رفيق المهدوي (رحمه الله)، إذ قال:
عيد عليه مهابة وجلال عيد وحسبك أنه استقلال
يوم عليه من السعادة بهجة وعليه من نور السرور جمال
يوم سعيد فيه نالت أمة ملكاً تمجد ذكره الأجيال
واستقبل التاريخ مظهر دولة فأهل من برج السعود هلال
وبدا يسير إلى التكامل بدرها فتحققت بظهوره الآمال
وتحررت أعناقنا فتنفست أرواحنا وتبسم الإقبال
وتحطمت تلك القيود وكسرت تلك الكبول وفكت الأغلال
وإلى حياة حرة في عيدنا هذا تكلل بالنجاح نضال
أعظِمْ بعيد في السماء تهللت فرحاً به شهداؤنا الأبطال
وزها بتاج النصر شعب قاده ملك أغر كأنه الرئبال
يا أيها الشعب الكريم إلى العلا سر لا يعوقك في المسير كلال
سر كالزمان مع الزمان ملائماً إن الزمان مسيره استعجال
قد أصبح الطيار لا يرضى به عصر لعلم الضوء فيه مجال
أضحى جناح العلم قاب القوس من قمر السماء ودونه أميال
فابنوا على العلم البناء وأسسوا بالعدل ملكاً لا يليه زوال
قوموا بأمر الملك شورى بينكم إن التحكم والخلاف وبال
ومصائب الأوطان من أحزابها إن قام بين المفسدين جدال
وتخيَّروا النواب عنكم واحذروا من أن تقوم بأمركم جُهّال
الملك محتاج إلى تدبيره بعقول من عركتهم الأحوال
بالمخلصين وهم قليل فانظروا فيهم ولا تغرركمُ الأشكال
وإلى الشباب الحي خير تحية فهم الرجاء.. وفيهمُ الآمال
وعلى كواهلهم وفي أعناقهم عهدٌ على أن يحفظوا ما نالوا
ما بالقليل ولا الصغير فإنه فضل عظيم إنه استقلال
نصر عزيز جل مانحه له من روحنا التكبير والإجلال
عاش المليك وشعبه وبلاده في عز دستور زهاه كمال.
المراجع:
إدريس السنوسي، محمد الأشهب، ص. ص 203 – 205.
الثمار الزكية في تاريخ الحركة السنوسية، علي محمد الصلابي، ص. ص 697 – 698.
جريدة الإنقاذ، العدد (39)، جمادى الآخرة 1412 هـ/ ديسمبر 1991م.
الملك إدريس عاهل ليبي، حياته وعصره، ص 155.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس