ترك برس
يرى الكاتب التركي، توران قشلاقجي، أن تركيا تبذل قصارى جهدها من أجل تحقيق السلام والاستقرار في البحر الأحمر، الذي تحول اليوم إلى ساحة تنافس بين القوى العالمية والإقليمية.
جاء ذلك في مقال له حول مصادقة الجمعية العامة للبرلمان التركي على مذكرة رئاسية، تتعلق بتمديد فترة مهام القوات البحرية لدى الجيش التركي في خليج عدن ومياه الصومال الإقليمية وسواحله وبحر العرب والمناطق المجاورة لمدة عام.
ونصت المذكرة الرئاسية على أن القوات البحرية التركية العاملة في المناطق المذكورة، تولت بشكل فاعل مهمة ضمان سلامة السفن التجارية التي تحمل العلم التركي أو المرتبطة بتركيا، والمشاركة بنشاط في عمليات المجتمع الدولي المشتركة ضد أعمال القرصنة والسطو المسلح والإرهاب في البحار.
يقول توران في مقاله بصحيفة القدس العربي، إنه لا يخفى على أحد مدى أهمية البحر الأحمر بالنسبة إلى التجارة العالمية، حيث تمر عبره ما يتجاوز الـ10% من التجارة العالمية. كما أن المزايا التي يمنحها البحر الأحمر لدول المنطقة لا تقتصر على التفوق السياسي، بل يفتح في الوقت نفسه المجال أمام اكتسابها قوة تجارية ملموسة.
لقد استضاف القرن الافريقي والبحر الأحمر العديد من الحضارات، وكانا نقطة تقاطع لكثير منها، وحافظا على موقِعيهما الاستراتيجيين في التاريخ لآلاف السنين. أمّا الدول المجتمعة حوله، بدءا من الصومال وحتى مصر والأردن واليمن، فإنها تشغل مكانة رئيسية ومؤثرة بشكل مباشر في الحياة التجارية والسياسية، في منطقة واسعة تشمل أوروبا والبحر الأبيض المتوسط والهند.
ويضيف المقال: يمتلك العديد من الدول خلال السنوات الأخيرة قوات بحرية في البحر الأحمر، الذي يشهد تطورا تنافسيا دوليا جديدا، وهو ما يظهر جليًا في تعزيز الوجود العسكري في المنطقة من قبل الولايات المتحدة واليابان وفرنسا وروسيا وبريطانيا وإسرائيل وإيران والسعودية والإمارات، ومؤخراً الصين.
ومن التطورات التي تندرج في هذا الإطار، استمرار الاضطرابات في الصومال، وتغير السلطة في السودان، والمشاريع السعودية العسكرية والاقتصادية العملاقة حيال البحر الأحمر، وسعي روسيا لإقامة تحالف مع مصر، ومبادرات الأخيرة للانفتاح إقليمياً وعالمياً، وبناء الإمارات قواعد عسكرية في بلدان المنطقة، فضلًا عن زيادة الاهتمام الياباني بالمنطقة، ومساعي فرنسا لاستعادة التأثير في المنطقة. ولا شك في أن الحرب المستمرة في اليمن منذ 8 أعوام، تكشف التنافس المتصاعد في حوض البحر الأحمر.
يشير تزايد النفوذ العسكري والسياسي والاقتصادي للدول الأجنبية في حوض البحر الأحمر إلى احتمال حدوث تغييرات جذرية في المنطقة، خلال الفترة المقبلة. ويشكّل البحر الأحمر ممراً استراتيجياً على خط التجارة العالمية للطاقة، وساحة للعديد من الحروب والتوترات الساخنة في الوقت الراهن. وتتابع دول كثيرة عن كثب تحركات إسرائيل لإقامة تعاون مع العديد من دول المنطقة لزيادة نفوذها على البحر الأحمر.
إن زيادة أنشطة القرصنة بالتزامن مع هذه المنافسة في البحر الأحمر، تثير العديد من الأسئلة في الأذهان. كما الهجمات على السفن الكبيرة في البحر الأحمر والأنشطة الإرهابية ضد دول مثل الصومال، تظهر بشكل واضح وجود دول لا تريد لهذه المنطقة أن تنعم بالسلام والاستقرار. ووقوف دول غربية وراءها أمر آخر مثير للتفكير أيضاً.
وفي ما يتعلق بتركيا، فإنها تبحث عادة عن الدول المنزعجة من وجودها في هذه المنطقة، خلف الهجمات التي ينفذها القراصنة المزعومون على سفنها. في الواقع، يعود التنافس في البحر الأحمر إلى فترات قديمة جداً، فمنذ بداية القرن التاسع عشر، اجتذب التحول الصناعي والحاجة المتزايدة للمواد الخام، العديد من الدول الغربية إلى مناطق الشرق الغنية.
وأصبح الوصول إلى ثروات الشرق أحد الأهداف الرئيسية للدول والتجار الأوروبيين. ومع افتتاح قناة السويس في القرن التاسع عشر، اتصلت شبه الجزيرة العربية بالبحر الأحمر أيضاً، بعد أن كانت متصلة به من البر فقط. وهكذا تحولت هذه المنطقة، التي ظلت تحت الحكم العثماني لسنوات طويلة، إلى منطقة تنافس بين بريطانيا وفرنسا لفترة من الزمن.
خلاصة الكلام، تبذل تركيا قصارى جهدها من أجل تحقيق السلام والاستقرار في البحر الأحمر، الذي تحول اليوم إلى ساحة تنافس بين القوى العالمية والإقليمية، وقد أظهرت بشكل صريح كيفية تأسيس بيئة سلام في المنطقة، عبر الدعم الذي قدمته إلى الصومال في السنوات الأخيرة.
إلا أن الجميع بات يعلم في هذا الصدد المخططات الرامية إلى زعزعة الاستقرار في بلدان المنطقة، التي تقف خلفها دول تتغذى على الفوضى والاضطرابات الناشبة في البلدان المحيطة بالبحر الأحمر.
وتواصل تركيا خطواتها لإحلال السلام والاستقرار، على الرغم من محاولات البعض تشويه سمعتها، إدراكاً منها بأن الفوضى التي تندلع في بلد مسلم مجاور للبحر الأحمر، سينعكس عليها بشكل سلبي أيضاً.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!