مصطفى واجد آغا أوغلو - خاص ترك برس
لقد ذاق التركمان في العراق الأمرّين إبان الحكومات والأنظمة المتعاقبة؛ بدء من الإحتلال الإنجليزي سنة 1918 ومروراً بعهد البعث ووصولاً بحقبة ما بعد 2003. حالهم حال معظم أبناء الشعب العراقي.
فإن مجزرة قاج قاج من أولى المجازر التي ارتكبت بحق التركمان في مدينة تلعفر سنة 1920 وتلتها مجزرتي 1924 و1946 في كركوك، ثم مجزرة 14 يوليو/تموز 1959 أيضاً في كركوك والتي راح ضحيتها قادة ورموز ووجهاء التركمان، وعقب وصول نظام البعث إلى سدة الحكم زاد الإضطهاد وممارسات الصهر القومي تجاه التركمان فاعتقل كبار قادتهم وأعدموا آخرون سنة 1980، ثم مرورا بمجزرة آلتون كوبرى سنة 1991 وأحداث أربيل سنة 1996 وأما ما بعد 2003 (بعد سقوط النظام البعثي) وحقبة إحتلال داعش سنة 2014 فهي مأساة أخرى.
وتمرُ علينا اليوم الذكرى السنوية الثلاثين لوقوع مجزرة آلتون كوبرى الأليمة، وهي جرح لن يندمل وفاجعة تبكي لها الصخور والجبال.
وآلتون كوبرى: هي ناحية تابعة لمحافظة كركوك؛ تقع إلى الشمال الغربي من مركز المدينة ويقطنها غالبية تركمانية، وتحتضن نهر الزاب ويقسمها النهر إلى ثلاث أجزاء بيوك ياقا وأورطا ياقا وكوجوك ياقا. وكلمة "آلتون" تعني الذهب و"كوبرى" تعني الجسر باللغة التركية/التركمانية. وهناك روايات وميثولوجيات حول هذه التسمية، منها يقال أن السلطان العثماني مراد الرابع أثناء غزوه بغداد سنة 1638 عبر من هذه المنطقة وأعجبها فأهدى قطعتين من الذهب عُلّقا على جسر المدينة، فسمي آلتون كوبرى.
وأثناء قمع النظام العراقي آنذاك الإنتفاضة الشعبانية التي انطلقت لإسقاط النظام سنة 1991، دخلت قوات الحرس الجمهوري في صبيحة يوم 28 مارس/أذار سنة 1991 الموافق لشهر رمضان المبارك المدينة وقامت باعتقال الشباب والشيوخ من أبناء المدينة العزل واقتادهم إلى جهة مجهولة، ثم أقدم جنود الحرس الجمهوري على إعدامهم رمياً بالرصاص وهم صيام في شهر رمضان الفضيل، ورموا جثثهم في حفرة قرب قضاء الدبس.
ولم تعرف ذويهم مصير أبناءهم في أول الأمر وظلوا يبحثون عنهم طوال أسابيع لتصل إليهم فيما بعد نبأ إعدامهم، وعثروا على جثثهم نهاية شهر رمضان، فتحول رمضانهم وعيدهم المبارك إلى مأتم ومأساة تقشعر لها الأبدان.
فمجزرة آلتون كوبرى كانت فعلاً تراجيديا أُستشهد فيها نحو 102 مواطن برئ وهم ينتظرون آذان المغرب للإفطار إلا أنهم غادروا هذه الدنيا وهم صيام، ولم يكن لهم أي ذنب أو جرم.
وقد سبقت مجزرة آلتون كوبرى، مجزرة تازة خورماتو بأيام. وهي الأخرى التي ارتكبت بحق التركمان في ناحية تازة خورماتو جنوب كركوك واُستشهد فيها أيضاً عدد من أبناء المدينة.
التركمان كانوا وما زالوا يحبون وطنهم وترابهم، وكان لهم الدور البارز في تأسيس الدولة العراقية ولم ينووا يوماً من الأيام الانفصال عن بلدهم، بل فلسفتهم تكمن في وحدة العراق أرضاً وشعباً. والعيش الكريم مع كافة مكونات وأطياف البلد بسلام وأمان وأخاء تحت مظلة العدالة هو مثلهم الأعلى.
فسلام ورحمة من الله على شهداء آلتون كوبرى وعلى كافة شهداء العراق والإنسانية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس