ترك برس
أكّدت الكاتبة التركية زليخة إلياتشيك، أن ظاهرة معاداة الإسلام باتت تأخذ شكلاً مؤسساتياً لا سيما في أوروبا، وأنه من الضروري لفت الانتباه إلى العلاقة بين الإسلاموفوبيا والعنصرية المؤسساتية.
وقالت الكاتبة إن حادث مقتل أسرة مسلمة مكونة من 5 أفراد دهساً بشاحنة في كندا، أعاد الحديث عن ظاهرة معاداة الإسلام المعروفة باسم الإسلاموفوبيا. وقد اعتبرت السلطات الكندية الجريمة عملاً إرهابياً وأرجعت دوافعها إلى أسباب تتعلق بالإسلاموفوبيا.
وفي تقرير نشره موقع "تي آر تي عربي" الحكومي التركي، شدّدت إلياتشيك على أن هذا الحادث ليس الأول ولا الأخير لموجة الإرهاب الناجمة عن الخطابات والسياسة المعادية للإسلام في الغرب. فقد شهدت نيوزيلندا أيضاً في 2019 مجزرة مروعة، حيث هاجم شخص بأسلحة رشاشة مصلين في مسجدين وأسقط 51 قتيلاً.
وأوضحت أنه لا يخفى عن الانتباه التوازي الواضح بين معاداة الإسلام وصعود اليمين المتطرف في الغرب. وتشير بيانات رسمية إلى زيادة اعتداءات الإسلاموفوبيا مع توسع رقعة الحركات اليمينية المتطرفة، ففي ألمانيا لوحدها سُجلت 632 جريمة إسلاموفوبيا في الفترة بين يناير/كانون الثاني ونوفمبر/تشرين الثاني 2020، وفق بيانات رسمية.
وتابع التقرير: من الضروري لفت الانتباه إلى العلاقة بين معاداة الإسلام وزيادة تفشي العنصرية، والعنصرية المؤسساتية، واليمين المتطرف في الغرب. غير أن ما يجعل الأمر أكثر إقلاقاً هو تبني الأحزاب المركزية في أوروبا وغيرها خطابات اليمين المتطرف العنصرية لأسباب أيديولوجية ومخاوف انتخابية.
ومن هنا يجب أن تأخذ مواجهة معاداة الإسلام شكلاً مؤسساتياً، فالإسلاموفوبيا بدأت بالفعل في اتخاذ صورة مؤسساتية، وفي هذا الإطار تحظى اتفاقية مواجهة الإسلاموفوبيا الموقعة بين تركيا وباكستان وماليزيا، بأهمية كبيرة جداً.
كذلك من المهم أيضاً أن تدافع هذه الدول على مستوى قادتها عن هذا النضال ضد الإسلاموفوبيا. كما ينبغي عدم نسيان أن الإسلاموفوبيا لا تنتشر فقط في أوروبا والغرب بل حتى في دول يشكل المسلمون غالبية عدد سكانها. وهذا يعني أن عدم وجود نزاع بين الإرادة السياسية الحاكمة في تركيا من ناحية ودينها وقيمها الوطنية وهويتها من ناحية أخرى، أمر يعزز موقف تركيا في مواجهة معاداة الإسلام.
وكما أن معاداة الإسلام أخذت شكلاً مؤسساتياً في أوروبا والعالم على الصعيدين السياسي والإعلامي، فإنه يجب مواجهة معاداة الإسلام بطريقة مشابهة، أي باتخاذ صورة مؤسساتية أيضاً. وتدريجياً يجب تنظيم هذه العملية عبر تسجيل الاعتداءات والخطابات المعادية للإسلام وتحليل البيانات واتخاذ الإجراءات.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى خطاب الرئيس رجب طيب أردوغان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي دعا فيه إلى إعلان 15 مارس/آذار من كل عام يوماً عالمياً للتضامن ضد معاداة الإسلام.
كذلك إعلان فخر الدين ألتون مدير دائرة الاتصال بالرئاسة التركية، عزم تركيا مع باكستان وماليزيا على إطلاق قناة تلفزيونية لمواجهة الإسلاموفوبيا، وتأكيده مواصلة الاجتماعات التقنية بين الأطراف المعنية حول الموضوع في الوقت الحالي.
من جانبها أعلنت وكالة الأناضول مؤخراً أنها ستؤسس "وحدة مراقبة معاداة الإسلام"، ما يعد أول إشارات اتخاذ النضال ضد الإسلاموفوبيا شكلاً مؤسساتياً في تركيا. ولا شك أن مثل هذه المبادرات ستطور في الوقت ذاته العلاقات الثقافية بين العالمين الإسلامي والغربي.
وعلى هذا النحو فإن الإرادة السياسية في تركيا تدعم مواجهة معاداة الإسلام. ومن الآن فصاعداً ينبغي على المثقفين والأكاديميين والإعلاميين دعم هذه السياسة، والعمل على المساهمة في الجزء المفاهيمي واستراتيجية الخطاب من هذا النضال.
وفي هذا السياق لا بد من العودة إلى جذور المشكلة والبحث في منطلقاتها التأسيسية لكي يسهل التعاطي معها. وفي العودة إلى الوراء قليلاً نرى أن المسلمين قد اعتُبروا في الوعي الباطن الأوروبي إبان الحروب الصليبية منتسبين لانحراف ديني أو دين ملفَّق، وفي العهد العثماني أتراكاً بربريين، وفي العصر الحديث وُضع المسلمون في إطار الحديث عن العلمانية ونقد الدين.
ويلاحظ أن السياسة الأوروبية قد خلقت أزمة مسلمين في الوقت الحالي كما اخترعت في الماضي أزمة يهود.
لكن لماذا احتاجت أوروبا إلى "أزمة مسلمين"؟ الحقيقة أننا نرى أن الإسلاموفوبيا أداة قادرة على خدمة أهداف عديدة، تماماً مثل السكين السويسرية متعددة المهام. فتخلق الإسلاموفوبيا عدواً خارجياً لأوروبا، ومن ثم تُستخدم أداة للسياسة الخارجية تضفي شرعية على تدخلات القارة العجوز في شؤون العالم الإسلامي، كما تخلق الإسلاموفوبيا عدواً داخلياً أيضاً وتستهدف المسلمين داخل أوروبا للتستر على إخفاقات الحكومات الأوروبية.
وهكذا تجري مساعي توجيه الغضب الشعبي المتزايد مؤخراً في أوروبا إزاء الأوضاع السياسية والاقتصادية نحو المسلمين، ومن ثم إظهارهم ككبش فداء.
ومع مرور الوقت، باتت ظاهرة معاداة الإسلام تأخذ شكلاً مؤسساتياً لا سيما في أوروبا. ومن الضروري لفت الانتباه إلى العلاقة بين الإسلاموفوبيا والعنصرية المؤسساتية. وتوجد مؤشرات عديدة تظهر اتخاذ معاداة الإسلام شكلاً مؤسساتياً، سواء كخطاب أو على صعيد صياغة التشريعات وسن القوانين.
ففي الآونة الأخيرة بدأ ظهور عديد من الخطابات السياسية والتشريعات التي تعتبر المسلمين في أوروبا أعداء، وتستهدف ممارسات الحياة الإسلامية.
وباتت خطابات معاداة الإسلام لا تقتصر على الجماعات المتطرفة وحركات الشوارع، بل انتقلت إلى المجالس النيابية. وبينما تقع أعمال عنف بدوافع معاداة الإسلام ترتقي إلى الإرهاب بحق المسلمين في الشوارع، تعمل دول أوروبية عديدة على سن تشريعات تهمش المسلمين وتقيد ممارساتهم الحياتية.
وبذريعة مكافحة الإرهاب يبدو أن أوروبا، والغرب عموماً، تتجه لفرض عقيدة إسلامية بقوة الدولة على المسلمين، تم ترويضها واختزالها في أحد صور التنوع الثقافي. والأخطر من ذلك هو اتهام أي مجموعة مسلمة لا تتبنى هذا التوجه وتحمي هويتها بـ"الانفصالية".
من المهم أيضاً الإشارة إلى أن مشاريع الهوية الأوروبية المطروحة في سياق الاندماج الثقافي، التي هي محور قضية أوروبا والإسلام، يجري إعدادها وتنفيذها من طرف القائمين على الدولة والسياسيين والوزارات، وليس المفكرين أو قادة الرأي. وهذا يدل على أن أزمة المسلمين في أوروبا ما هي إلا "مشروع إسلام سياسي".
من المثير للانتباه أيضاً تحول خطابات الكراهية التي لم يكن أحد يفكر في التعبير عنها كمجرد خطاب في بداية الألفية الثانية، إلى أمر عادي يردده بسهولة الساسة والنخب في أوروبا.
وعلى المستوى التشريعي تم سن قانون جديد في ألمانيا في الأسابيع الأخيرة يمهد الطريق أمام ممارسات تمنع عمل النساء المحجبات.
وفي فرنسا دعا الرئيس إيمانويل ماكرون الجمعيات والمنظمات الإسلامية في البلاد إلى التوقيع على وثيقة في إطار مكافحة التطرف المزعوم، وأعلن أن كل الجمعيات التي تمتنع عن توقيع هذه الوثيقة ستعتبر "انفصالية ومعادية للدستور".
ومن أدوات معاداة الإسلام أيضاً المحاولات لقطع الروابط بين المؤسسات التركية والإسلامية مع تركيا ودول إسلامية أخرى يعود إليها أصلها، وذلك تحت ذريعة مواجهة الإسلام السياسي. وتهدف هذه المساعي إلى وضع مسلمي أوروبا في عزلة أمام التدخلات المعادية للإسلام.
ومن أبرز الأمثلة على هذه المساعي هي الخطابات التي تستهدف مساجد الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية في ألمانيا (DITIB) من أجل قطع علاقتها بتركيا. ونظراً لأن الأتراك يمثلون غالبية المسلمين في أوروبا، فإن الإسلاموفوبيا تظهر غالباً على أنها "تركوفوبيا". وهذا الأمر يدفع بتركيا إلى موقع مركزي في مواجهة معاداة الإسلام.
وها نحن نلاحظ زخماً في الآونة الأخيرة حول مشاريع مثل الإسلام الألماني، والإسلام الفرنسي، ومساجد الأئمة الإناث والمثليين ومحاولات لإقامتها بدلاً من جمعيات ومقرات إسلامية قائمة منذ عشرات السنين.
إن التصدي للإسلاموفوبيا حسب وجهة النظر التركية يعني أن يتم مأسسة العمل، بحيث نتجاوز الاكتفاء بشعارات التنديد والاستنكار إلى التوجه فعلياً إلى المؤسسات السياسية والسيادية لشن تشريعات من شأنها أن تجرّم الإسلاموفوبيا كوجه من أوجه العنصرية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!