محمد أبو رمان - الغد
يتحدث الكاتب الأميركي المعروف ديفيد إغناتيوس، في مقاله أمس بعنوان "تعاون جديد في سوريا" (واشنطن بوست)، عن متغيرات مهمة وجديدة في اللعبة الإقليمية والدولية والمحلية في سورية، والتي ترتبت على التحالف والتعاون الجديدين هناك، أو ما يمكن أن نطلق عليه، عملياً، المحور الإقليمي الجديد - في مواجهة النفوذ الإيراني - المتشكل من السعودية وتركيا وقطر.
النتائج المباشرة والرئيسة للتحالف الجديد، برزت في محافظة إدلب، وفي التحشيد لمعركة حلب الراهنة؛ عبر تشكيل "جيش الفتح"، الذي تمّ إدماج "جبهة النصرة" فيه، وحقق انتصارات كبيرة في تلك المناطق، وأضعف كثيراً من قوة بشار الأسد.
لا يستبعد إغناتيوس أن تقوم "جبهة النصرة" بالإعلان قريباً عن انفصالها عن تنظيم "القاعدة" الأم، لإخراجها من قائمة الحرب على الإرهاب، وتأهيلها في المرحلة السورية المقبلة. وهو احتمال، كما نعرف، جرى سجال ونقاش كبيران حوله قبل أشهرٍ قليلة. وهو من الناحية النظرية ممكن، لكنّه معقد وصعب من الناحية السياسية، وبمثابة "مفترق طرق" مفصلي لـ"النصرة" ولتماسكها الداخلي وهويتها السياسية والأيديولوجية؛ فليس من السهل أن تقدم على مثل هذه الخطوة.
وفي الوقت الذي يشير فيه الكاتب الأميركي، المقرب من بعض صنّاع القرار المهمّين هناك، إلى أنّ اللواء علي مملوك، مدير المخابرات السابق وأحد أعمدة الأمن في النظام، هو قيد الإقامة الجبرية اليوم، بينما تؤكد تقارير أخرى أنّه متهم بمحاولة انقلاب على الأسد، فإنّ إغناتيوس يشير، أيضاً، إلى محاولات لإيجاد صفقة مع روسيا وإيران بشأن مصير الأسد والنظام، والمرحلة المقبلة.
التأثير الكبير للمحور الجديد (السعودي-التركي-القطري) لا يقف عند حدود سورية. فوفقاً لإغناتيوس أيضاً، هناك مبادرة لتغيير قواعد اللعبة في ليبيا، عبر إيجاد اتفاق وتفاهم بين كل من اللواء خليفة حفتر وقوات "فجر ليبيا" (المقرّبة من الإخوان المسلمين)، وإيجاد جبهة موحدة في مواجهة تنظيم "داعش" هناك، وحلول سياسية توافقية.
باختصار، الموقف الإقليمي تغيّر، وقواعد اللعبة تبدّلت. فأصبحت تركيا وقطر أقرب إلى السعودية ومنظورها الأمني والاستراتيجي، من الأردن والإمارات ومصر. وعلى هذه الدول الثلاث أن تحدد وجهتها في المرحلة المقبلة. وعلى الأغلب أنّها ستسعى إلى اللحاق بالتحالف الجديد، بالرغم من "الفجوة" الراهنة في المنظور الذي تبنّاه هذا المعسكر القديم (الأردن، السعودية، الإمارات) والمنظور الجديد (تركيا، السعودية، قطر).
ما الفرق بين المنظورين؟ هو فرق كبير جداً. فالمنظور المحافظ العربي قام في العام 2014 بتطوير منظور محور الاعتدال (الذي تشكّلت رؤيته في العام 2006)، ليعيد تعريف مصادر التهديد؛ بجعل ما يسمى "الخطر الإيراني" (أو محور الممانعة: إيران وسورية وحزب الله وحماس) بمثابة مصدر ثانوي للتهديد، مقابل جعل المحور الجديد (تركيا، قطر والإسلام السياسي) بمثابة المصدر المباشر للتهديد الأمني الإقليمي، وتمّ وضع قوى الإسلام السياسي المعتدلة والمتشددة منها ("الإخوان" و"داعش") في الحزمة نفسها، بوصفها مصدراً للتهديد والقلق.
الآن، ومع الملك سلمان بن عبدالعزيز، تغيرت الرؤية السعودية، لتقترب من الرؤية التركية-القطرية في مفاصل مهمة؛ ما يتعلّق بسورية والعراق. وهو ما انعكس على علاقة السعودية بحركة حماس وحركة الإصلاح اليمنية والفصائل الإسلامية المقاتلة في سورية وإخوان ليبيا، وبما يعني أنّنا أمام واقع جديد، في الوقت الذي تزداد فيه الفجوة بين موقف الولايات المتحدة والسعودية. إذ لم تنفع القمّة الحالية في كامب ديفيد في إزالة الهواجس بين الطرفين، بقدر ما كرّستها ورسّختها.
في الفترة الماضية، برزت هذه الفجوة واضحة في عمان، ودفعت إلى تخفيف النشاط الدبلوماسي المكثّف السابق، وانتظار المخرجات والنتائج لإرهاصات التحول السعودي، وهو ما بات الآن أمراً واقعاً، بل ومفتاحاً جديداً للمتغيرات.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس