محمد أبو رمان - الغد
كان من الصعب فعلاً، وإن لم نبالغ فمن المستحيل، أن يلتقي الرئيسان التركي والمصري، في ظل هذه الفجوة الواسعة في المواقف، والتباين في الرهانات، بالرغم من تزامن وجود الزعيمين في العاصمة السعودية الرياض في الوقت نفسه.
إذا كان عبدالفتاح السيسي قد ذهب إلى السعودية بعد أن أصدر عقوبات بالإعدام بحق قيادات الإخوان المسلمين في مصر، وليس متوقعاً أن يقدّم تنازلات بخصوص الملف الداخلي المصري، فإنّ رجب طيب أردوغان هو الآخر متشدد في موقفه إلى أقصى مدى في انتقاده للحكم المصري وسياساته الداخلية، فأيّ لقاء بينهما لم يكن ليؤتي نتائج مثمرة.
لكن وجود الزعيمين في الوقت نفسه في الرياض يلفت النظر إلى التطوّر في الموقف السعودي، منذ أن استلم الملك سلمان بن عبدالعزيز الحكم، قبل ما يزيد على الشهر فقط. إذ شهدت الأسابيع الماضية نشاطاً دبلوماسياً مكثفاً في السعودية، يتجاوز بروتوكولات التعزية بوفاة الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، إلى زيارات ولقاءات متعددة الأطراف، كان اللافت منها تنشيط خط أنقرة-الرياض، والدوحة-الرياض، مع استمرار الخط الراهن، أيّ "المعسكر المحافظ العربي"، لكن مع بروز بعض التغييرات الأولية.
إلى أين سيتجه "التموضع السعودي" الجديد، ضمن المعادلة الإقليمية؟
التوقعات تذهب بين اتجاهين متناقضين. الأول، يتحدث عن استدارة كبيرة نحو المحور التركي-القطري-الإخواني. أمّا الثاني، فيراهن على البقاء ضمن الخطّ الحالي، من دون تغيير، بخاصة ما يتعلق بالموقف تجاه الإسلاميين، ومصر وتركيا. فيما يبدو أنّ المؤشرات الراهنة تشي بأنّه لا هذا ولا ذاك؛ إذ إنّ السعودية ستبقى ضمن المربع الاستراتيجي الراهن، لكن مع تعديلات مهمة على سياستها الخارجية.
خلال الأعوام القليلة الماضية، وتحديداً منذ تموز (يوليو) 2013، وصولاً إلى صعود تنظيم "داعش" واستيلائه على الموصل، فإعلان الخلافة في العام 2014، حدثت "تحويلة" في السياسات العربية، نجم عنها إعادة هيكلة مصادر التهديد للأمن العربي، والخليجي بصورة خاصة، باعتبار المحور التركي-القطري (الإخواني) هو مصدر التهديد الأول، والمحور الإيراني هو الثاني. ونجم عن ذلك توتر شديد، وصل إلى درجة العداء مع كل من أنقرة والدوحة.
وخلال الفترة الأخيرة من حكم العاهل السعودي السابق، تمّ الضغط على الدوحة من أجل تقديم تنازلات كبيرة فيما يخص موضوع الإخوان المسلمين والمواجهة الإعلامية مع مصر.
واستجاب الأمير القطري لذلك. إلاّ أنّ موقف السعودية بدأ بالانزياح بصورة أكثر وضوحاً نحو المنطقة الوسطى والوساطة بين مصر والإمارات من جهة، والدوحة من جهة أخرى، مع الفترة القصيرة الماضية للملك سلمان.
صحيح أنّ السعودية أرسلت برقيات طمأنة لمصر بأنّ سياساتها لن تتغير، لكنها مرفقة بهوامش جديدة تتمثل في أنّ هذه السياسات ليست شيكاً مفتوحاً على بياض، وليست مطلقة. وهو ما عبّر عنه عدد من الكتّاب السعوديين في صحيفة "الحياة" بوضوح، مؤخراً، أبرزهم خالد الدخيل في مقاله "التحول السعودي والقلق المصري" (أول من أمس). إذ ضمّن مقاله هذا خلاصة مهمة، تتمثّل في أنّ موقف الحكم المصري من الأتراك لن يكون بالضرورة هو موقف المملكة السعودية.
تبدو الرغبة السعودية-التركية المشتركة في تجاوز العقبات والفجوة بين البلدين واضحة. لكن ما تزال هناك تباينات في وجهات النظر، فيما يمكن وصف اللحظة الراهنة باعتبارها "جس نبض" أو "اختبار نوايا" متبادل.
يرى دبلوماسيون عرب أنّ صورة السياسة الخارجية السعودية الجديدة ستكون أوضح بعد قرابة شهرين، مع معرفة مصير حقيبة الخارجية السعودية لمن ستؤول، في حال حالت الظروف الصحية للأمير سعود الفيصل دون استمراره في هذا الموقع؛ فاسم الوزير الجديد سيكون مؤشراً مهماً على هذه التوجهات.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس