هشام الراشدي - خاص ترك برس
يقول البروفسور أحمد داوود أوغلو في كتابه "العمق الاستراتيجي" في سياق الحديث عن العنصر البشري وتأثيره البالغ في صنع الاستراتيجية: "ويستنتج من هذا كله أن العنصر البشري هو أساس القوة الاستراتيجية لأي بلد، حيث لا يمكن تغيير العناصر الإستراتيجية الثابتة كالجغرافيا أو التاريخ، ولكن يمكن للعنصر البشري الجيد أن يكسب الجغرافيا والتاريخ آفاقا جديدة. في حين أن العنصر البشري غير الجيد يمكن أن يحول هذه العناصر إلى عامل إضعاف للبلاد".
أي أن قوة البلد تحددها الرؤية العميقة والإرادة القوية لصناع القرار، وليس حجم الدولة وإمكاناتها أو موقعها، وخير مثال على ذلك الكتاب الذي صدر مؤخرا لديك تشيني بعنوان "أوباما أضعف قوة أمريكا" إضافة إلى دور مصر في عهد الانقلاب، حيث أفقدت مصر الكثير من الأدوار التقليدية التي كانت تلعبها.
وقبل أن نتم رحلتنا مع العنصر البشري لا بد لنا أيضا من وقفة مع كلمة لمصطفى صبري شيخ الإسلام في الدولة العثمانية سابقا رحمه الله في كتابه: "موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين و عباده المرسلين"، حيث قال "فلو سعينا لأن نتقوى نحن أيضا – ولابد أن نسعى ونجتهد في تعلم أسباب ذلك - فلا نتقوى بقدر ما تقوت الألمان وتعلمت واجتهدت. ولو بلغنا مبلغها في العلم والاجتهاد والاستعداد لما يكفينا ذلك في بلوغ الغلبة النهائية كما لم يكف الألمان، ولو سبقناهم واكتشفنا سلاحا أمضى من القنبلة الذرية فلن يمهلنا حكام الدنيا المتغلبون لاستكمال تجاربه كما لم يمهلوا الألمان". و خير دليل على ما سبق هو الحصار الغربي المفروض على إيران وصولا إلى الاتفاق المبرم معها من أجل وقف أو أو تأجيل برنامجها النووي.
كما أن السلاح النووي نفسه ليس فعالا في كل زمان و مكان فقد سقط الاتحاد السوفياتي ولم تمنعه ترسانته النووية من السقوط، كما هزمت روسيا في الحرب الشيشانية الأولى ولم يغن عنها شيئا، والشيء نفسه بالنسبة لهزيمة أمريكا في العديد من الأماكن حول العالم.
أما بالنسبة لامتلاك السلاح النووي من أجل الردع، فهي حجة لم تعد لها نفس الوزن لأن هذا السلاح أصبح بيد العديد من الدول وبالتالي فلم يعد إضافة نوعية كما كان في السابق. كما أننا نسمع بين الفينة والأخرى طرد بوتين مثلا لجنرال ذا توجه نووي، فلو كان ذا قيمة ماسية، هل سيتم طرده مثلا.
وكما أن لكل عصر خصوصياته، فقد مرت عصور السيف والمسايفة كرمز للقوة والبطش، مرورا إلى امتلاك السفن والتواجد في البحار وغير ذلك، فهذا العصر يحتم على تركيا، إن هي أرادت إتمام مسيرتها، أن تصب جهدها في صياغة نظرية جديدة في التربية شبيهة بنظم تحليل المعلومات من حيث فاعليتها وسرعة أدائها و قدرتها الإنتاجية على مستويي الفرد والمجتمع. أي أنها تنتج عينة من المواطنين تتجمع فيهم مقومات الشجاعة والقدرة والفاعلية والعبقرية الأدائية وإيجاد الحلول والتفاعل مع المحيط مهما كانت الظروف. أي:
- إن هذا النوع من التعليم ينثج عينة ذات أداءات عالية في مدد زمنية قصيرة.
- تعليم ليس له معادل في العالم.
- إنه ينثج البشر النوويين بدل إهدار الوقت والمال والجهد في السلاح النووي.
- إنه يصنع عقلية تنتج تحت الضغط وتحت الحصار.
- إنه تعليم شامل ويستهدف جميع مجالات التنمية في الدولة.
لم يتقدم الغرب بالاعتماد على الرياضيات والفيزياء والهندسة، ولو كانت هذه العلوم علة تقدم الغرب فلماذا لم يستطع الأخير الحفاظ على تقدمه ومراتبه في ميادين مختلفة؟ بل فلماذا يخاف من الآخرين ويضع العراقيل أمام تقدمهم؟. إن سبب تطور الغرب هو تلك الروح التي طبعت نفسيته في القرنين الثامن والتاسع عشر، وإن تراجعه الحالي ناتج عن فقدان تلك الروح لحرارتها، وإن روح الأتراك في طريقها نحو الإقلاع.
فلا بد إذًا من الانتباه إلى العنصر البشري والاستثمار فيه قدر الإمكان لأنه المعادلة المحددة لبقاء الأمم حاضرا ومستقبلا، أما الأسلحة المكلفة كالنووي وغيره فتطورات الأوضاع القادمة والتحالفات التي ستفرزها كفيلة بالاستغناء عنه.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس