هشام الراشدي - خاص ترك برس
تعتبر مسألة اللاجئين أو "المهاجرين" كما سماهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قضية محورية ومؤثرة على المستويين الداخلي والخارجي للقيادة التركية. خصوصا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار كون تركيا جمهورية وليست نظاما ملكيا أو غيره، وكون قيادتها ذات توجه إسلامي واضح، في صراع مع الأحزاب السياسة العلمانية والكيانات الموازية والعميلة للخارج، ويمكن الإشارة إلى بعض التحديات الداخلية والخارجية على سبيل المثال لا الحصر:
داخليا:
- يفرض إيواء اللاجئين التزامات على الاقتصاد الوطني التركي حيث صرفت تركيا 5,5 مليار دولار على اللاجئين داخل البلاد، إضافة إلى إرسال نصف مليار دولار كمساعدات لسوريا والعراق، هذا بغض النظر عن لون أو جنس أو دين من أرسلت إليهم.
- الضغط على البنية التحتية من طرق ومياه وكهرباء واتصالات وتعليم وصحة وغيرها، واستفادة اللاجئين من الدعم المقدم لمختلف الخدمات العامة بكافة أنواعها.
- مطالبة بعض الأحزاب السياسية التركية بطرد اللاجئين أو ردهم من حيث أتوا.
- محاولة بعض اللاجئين العبور إلى أوروبا بطريقة غير شرعية مما قد يخلق مشاكل مع الدول الأوروبية.
خارجيا:
- تلكأ أوروبا وأمريكا وغيرهما في الوفاء بالتزاماتهما وتعهداتهما تجاه قضايا اللاجئين.
- وقوف مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة موقف "المتفرج" كما وصفها بذلك السيد أردوغان في إحدى خطاباته.
- رهان الغرب على قضية اللاجئين لاستنزاف الاقتصاد التركي ومحاولة إحداث قلاقل وصراعات بين اللاجئين والشعب التركي كورقة لترجيح الكفة لصالح المعارضة الفاشلة خصوصا مع اقتراب الانتخابات.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل استقبال الأتراك أو "العثمانيون الجدد" للاجئين سواء كانوا سوريين أو عراقيين أو غيرهم، رغم كل هذه التحديات، مجرد بادرة إنسانية من الحزب الإسلامي الحاكم أم أنها تنبع من صميم التاريخ والثراث والهوية التركية؟
إن وصف الرئيس رجب طيب أردوغان للاجئين على أنهم مهاجرون لم يأت بمحض الصدفة، بل إنه بذلك الوصف الإسلامي جسد أعلى درجات الصدق في الدفاع عن الإسلام وأهله.
إنه بتشبيههم بالمهاجرين يخفف عن اللاجئين كما خفف الأنصار عن المهاجرين وكأنه يقول لهم لا تشعروا بالخجل فليس لنا فضل عليكم بل قد تكونون أفضل منا كما كان المهاجرون أفضل منزلة من الأنصار.
إن التحديات الداخلية و الخارجية لم تقف يوما أمام مساعدة العثمانيين لإخوانهم المسلمين، ولعل الظروف التي تمر بها تركيا الآن شبيهة إلى حد ما بفترة حكم السلطان بايزيد الثاني ابن السلطان محمد الفاتح الذي استنجد به مسلمو الأندلس برسالة استغاثة مؤثرة. ومن بين هذه التحديات آنذاك نورد:
- تزامنت هذه الفترة مع وجود حرب بين الخلافة العثمانية والدولة الفاطمية في مصر بسبب نزاعات بدأت منذ عهد السلطان محمد الفاتح.
- مشكلة الأمير "جم" (الأخ الأصغر للسلطان بايزيد الثاني) الذي شق عصا الطاعة مطالبا بالعرش نفسه، مما أدى إلى حدوث معارك بين الجانبين انتهت بانتصار السلطان بايزيد.
- خطورة الدولة الصفوية التي كانت تجند الآلاف من شباب التركمان الشيعة و تدربهم قصد إرسالهم إلى الأناضول لإحداث الثورات و القلاقل.
وعلى الرغم من كل هذه الظروف القاسية وبعد المسافة وعدم وجود طريق بري مباشر، قرر السلطان بايزيد الثاني إرسال قوة بحرية بقيادة "كمال رئيس" على وجه السرعة عام 1487م وهو بمثابة إعلان حرب على عدة دول مسيحية في أوروبا. وقد كان بذلك أول سلطان يهب لنجدة المسلمين في الأندلس قدر المستطاع في حين تقاعس أقرب المقربين إليهم في شمال إفريقيا كالدولة الحفصية في تونس والوطاسية في المغرب.
إن الرسالة التي أرسلها الأندلسيون إلى السلطان العثماني تمثل اسثغاتة كل مسلم مظلوم ومقهور في مشارق الأرض ومغاربها كما تمثل هذه الرسالة رغبة المسلمين من جديد في إحياء تركيا لتلك الشعيرة و السنة التي ابتدأها أجدادهم العثمانيون ومما جاء في الرسالة:
سلام عليكم من عبيد تخلّفوا بأندلس في الغرب بأرض غربة
أحاط بهم بحرٌ من الردم زاخر وبحرٌ عميق ذو ظلام و لجة
سلام عليكم من عبيد أصابهم مصاب عظيم يالها من مصيبة
سلام عليكم من شيوخ تمزّقت شيوخهم بالنتف من بعد عزة
سلام عليكم من وجوه تكشفت على جملة الأعلاج من بعد سُتْرة
سلام عليكم من بنات عاتق يسوقهم اللّباط قهرا لخلوة
سلام عليكم من عجائز أكرهت على أكل خنزير ولحم جيفة
إن مساعدة المسلمين في العالم سواء بإيوائهم أو تقديم الدعم لهم لم يكن يوما منّا من الأتراك بل تجسيدا وترسيخا لقيم الإسلام التي افتقدها المسلمون في الكثير من زعماء دولهم والتي لابد أن تكون سببا في استعادة الأتراك لأمجادهم السابقة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس