د. ياسر سعد الدين - خاص ترك برس
تتعرض تركيا لحملات لا تكاد تتوقف إعلاميا وسياسيا وأمنيا ويشتد التركيز على إقتصادها وعملتها الوطنية، وتتصاعد تلك الحملات المسعورة والمسمومة لتصل أحيانا إلى درجة الحرب المكشوفة والواضحة والتي تستهدفها حاضرا ومستقبلا، والتي كانت أشد صورها جلاءا وصفاقة محاولة الأنقلاب العسكري والذي هدف إلى أعادة تركيا لمنظومة الدول الفاشلة وجمهوريات الموز التابعة والتي تتحرك بالريموت الكونترول.
ولإن العالم يشتكي وبحدة –مع غياب الدور الإسلامي وقيمه- من تراجع القيم الأخلاقية الإنسانية ويعاني من سيادة منطق الغاب ومن تعدد المكاييل ومن المعايير المزدوجة، فإن الغرب لا يستحي من شن حملات إعلامية مسعورة على أنقرة وأردوغان لمجرد توقيف أو التحقيق مع صحفي أو معارض خالف القانون العام وانتهكه، فيما تغمض العيون على مجازر وقتل للمعارضين وتعذيب حتى الموت وحرمان للعلاج لمفكرين وسياسيين وأكادييمن في دول فاشلة على يد حكام مستبدين هم أدوات ومطايا للغرب وللصهاينة.
تسبب تركيا صداعا كبيرا للغرب كونها تشكل في الوقت الحالي وبشكل عملي خيارا إسلاميا واعيا يجمع بين الأصالة والتقدم وبديلا عن منهج الغرب المتهالك والمنافق أخلاقيا والذي يتعرض إقتصاده لهزات كبيرة على الرغم من نهبه المتواصل ومن عقود لثروات دول وشعوب عبر بطرق عديدة وأساليب كثيرة منها دعمه المستبدين والطغاة وحماية ثرواتهم الفلكية المنهوبة من أقوات شعوبهم المحرومة والمجوعة لتستقر تلك الثروات في البنوك الغربية. وضمن الصراع الحضاري وبعد أن كان الغرب يعيرنا بديمقراطية إسرائيل المزعومة فيما هو من يحارب عمليا سعي شعوبنا للحرية والديمقراطية من خلال دعمه ورعايته للإنظمة الفاسدة والمستبدة، تشكل تركيا نموذجا ديمقراطيا ناجحا ومضيئا يحترم القيم الإنسانية والأخلاق النبيلة.
نجحت تركيا في أختبار حقوق الإنسان من خلال تعاملها مع قضايا اللجوء السوري، فيما فشلت أوربا والغرب في ذلك الإختبار وعجزت مجتمعة على تحمل جزء يسير مما تحملته تركيا، إلا ضمن حسابات دول محددة ومحدودة لحاجتها إلى يد عاملة شابة، وها هما الغرب والشرق يفشلان من جديد وبشكل مفجع في أمتحان الحقوق والكرامة الإنسانية في التعامل مع قضية اللجوء بين حدود بولندا وروسيا البيضاء. كما وقفت تركيا ولإعوام وحيدة في موقف أخلاقي رافضة الإنقلاب العسكري الدموي في مصر على رئيس منتخب، فيما هرع الغرب لدعم الأنقلاب في مراحله المختلفة ومن بعد ذلك الإعتراف به وغض النظر عن مجازره وجرائمه وتجاوزاته.
وفي الوقت الذي تهرول دول عربية ثرية لتطبيع مهين مع الإحتلال وعقد صفقات وإتفاقات معه وكأنها تكافئه على جرائمه ضد الشعب الفلسطيني وتدنيسه للمسجد الأقصى وسعيه الحثيث لتهويد القدس، تقف تركيا وحيدة وبصلابة أمام الجرائم الصهيونية وتفضحها في المحافل الدولية وتناصر الحق الفلسطيني والإسلامي في القدس وفلسطين بكل حزم ووضوح. وحين يتجاوز ماكرون على الرسول صلى الله وعليه وسلم ويعتدي على الإسلام وحقوق المسلمين الأساسية في فرنسا، يقف أردوغان وحيدا بين حكام المسلمين، يرد حقد ماكرون ويصد تجاوزاته وقلة أدبه وسوء أخلاقه وبصوت عال ونبرة حازمة.
إستهداف عقيدة الأمة في فرنسا ومقدساتها في القدس وفي غيرهما، يتزامن مع التضييق على العلماء الوسطيين والمفكرين النييرين في دول عربية عديدة مترافقا مع إنتشار مهرجانات الرقص الفاحش والغناء الساقط ونشر ثقافة الإنحلال والأباحية. في حين تستضيف تركيا مؤتمرات العلماء والدعاة ولقاءات ومحافل أخرى تهتم بقضايا الأمة وقدسها ومقدساتها ونصرة نبيها صلى الله عليه وسلم وتنظم مهرجانات حفظ القرآن وترتيله وتجويده. وحين تضيق الأرض بالأحرار وأصحاب المواقف ويلاحقون في بلادهم وتصادر أموالهم، تفتح لهم تركيا الأبواب وتحسن إستقبالهم والترحيب بهم.
تركيا بقيمها وأخلاقها ومواقفها السياسية والإنسانية وبنهضتها العملية وصناعتها العسكرية وقراراها المستقل وصلابة قيادتها وحنكتها، تشكل أمل المسلمين بل والمستضعفين والذي يكاد يكون يتيما ووحيدا في العالم، في مواجهة عقلية الإستعمار والنهب والإحتلال وصناعة الإستبداد والتحالف معه ودعمه من قوى دولية مهيمنة على المشهد العالمي.
تركيا تواجه حربا عالمية شرسة ولا أخلاقية تستهدف قيمها النبيلة ومواقفها الإنسانية، وتركز حاليا على إقتصادها والذي شكل في حكم أردوغان الرافعة الرئيسية والنجاح الأكبر، وبشكل رمزي ومعنوي على عملتها الوطنية. مطلوب من علماء الأمة ومفكرييها، ليس دفاعا عن تركيا فحسب بل وعن قيم الحرية والعدالة ونصرة الحق وعن أنفسهم وأمتهم، دعم تركيا وإطلاق حملات ومبادرات تستهدف الوقوف مع تركيا وإقتصادها وعملتها. على العلماء والمفكرين حث الشعوب على إتخاذ تركيا خيارا أولا في الإستيراد وفي استخدام المنتوجات التركية وفي السياحة والعلاج وحتى التعليم وهي مجالات تتفوق فيها تركيا وتتألق وبجدارة.
المطلوب من علماء الأمة ومفكريها وبالتعاون مع الحكومة التركية إطلاق صندوقا عالميا مقره إسطنبول لدعم الإقتصادي التركي وعلى مستوى العالم، وبنفس الطريقة التي يدعم بها يهود العالم الدولة العبرية. إن تركيا والتي حملت هموم الأمة وكانت صوت مستضعفيها في ميانيمار وسوريا وفلسطين ومصر وليبيا لها مكانة في قلوب المسلمين بل وأحرار العالم منزلة كبيرة ومكانة سامقة. إن وقوفنا مع تركيا هو سداد دين لتركيا في رقابنا، وهو وقوف مع الحق وقيم الإسلام الإنسانية الراقية بل هو وقوف مع أنفسنا في مواجهة عالم لا يرحم يقوده مرابون وشهوانيون ومنافقون ومطففون من يمتهنون إذلال الشعوب وحرمانها من كراماتها وحرياتها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس