ترك برس
تواصل أرمينيا إطلاق الرسائل الإيجابية حول اعتزامها التطبيع مع تركيا التي ترحّب أيضاً بالخطوة الأرمينية هذه. إلا أن إقبال يريفان بهذه السرعة على التطبيع مع أنقرة، يثير تساؤلات حول دوافعها إزاء هذا الأمر.
وأمس السبت، أعلنت وزارة الخارجية الأرمينية تعيين روبين روبينيان نائب رئيس البرلمان، ممثلا خاصا في تركيا.
وفي هذا الإطار، ذكر الباحث في سياسة تركيا الخارجية وشؤون القوقاز الدكتور باسل الحاج جاسم أن رغبة التطبيع متبادلة بين الجانبين لأسباب عدة لعل أبرزها أن أرمينيا تواجه انسدادا جغرافيا من جانب تركيا بعد إغلاق الثانية حدودها عام 1993 تضامنا مع الشقيقة أذربيجان خلال حرب قره باغ الأولى، واليوم السبب الأهم لذلك الإغلاق لم يعد موجودا بعد استعادة أذربيجان أراضيها.
وقال جاسم "من الأسباب أيضا رغبة تركيا بتصفير مشاكلها، فضلا عن أن السبب الأبرز قد يكون رغبة يريفان بالاستقلال عن النفوذ الروسي المسيطر على كل مفاصل البلاد، لا سيما بوجود حكومة أرمينية ينظر على أنها غربية الهوى"، بحسب ما نقله موقع "الجزيرة نت."
ولفت الباحث في شؤون القوقاز إلى أن فرص تطبيق التطبيع كبيرة كون الظروف المحيطة باتت أكثر ملائمة بعد استعادة أذربيجان حليفة تركيا أراضيها، حيث كانت باكو ترفض تطبيع أنقرة مع يريفان قبل استعادة إقليم قره باغ.
وأضاف "لن يكون أمر طي صفحة الماضي المليئة بالاتهامات بهذه السهولة، إلا أن مجرد تعيين الدولتين مبعوثين خاصين لمهمة التطبيع، فهذا يعني أن الأمور تسير باتجاه إيجابي قد يكون سريعا هذه المرة بسبب الرغبة المتبادلة، وسبق عام 2009 خلال ما أطلق عليها بروتوكولات التطبيع أن تم تجاهل كل ما يثير حفيظة أنقرة أو يريفان، ولكن تبقى عقبة مواقف اللوبيات الأرمنية في أوروبا والولايات المتحدة وروسيا التي تعارض دوما أي تقارب مع تركيا".
من جهته، يرى طه عودة أوغلو الباحث التركي في العلاقات الدولية أن توقيت تقارب أرمينيا وتركيا مهم كونه لا ينفصل عن المتغيرات المهمة التي طرأت بالمنطقة بدءا بالضغوط الأميركية على تركيا لتطبيع العلاقات مع أرمينيا؛ حيث كان مطلبا للرئيس الأميركي جو بايدن خلال لقائه الأخير أردوغان في روما، مرورا بالتغيير على صعيد سياسة أنقرة الخارجية، وهذا التغير أسهم بجزء كبير في تخفيف التوترات والصراعات بالمنطقة، ختاما بانتهاء أزمة إقليم قره باغ.
وقال عودة أوغلو "الدوافع الاقتصادية ستلعب دورا خلال المرحلة المقبلة في مسار العلاقات التركية الأرمينية، كما سيكرس حضور تركيا في منطقة القوقاز من خلال الدفع نحو مشروع فتح طريق بري مع أذربيجان عبر إقليم ناختشيفان.
وأكد أن النخب في أرمينيا باتت أقرب إلى الواقعية، وترى أن بلادها لا تستطيع مواجهة تركيا، وأنه من الأفضل تحسين العلاقات معها إلى حين توفر ظروف مغايرة.
وتبقى عقبتان تقفان أمام سير قطار التطبيع بين الدولتين؛ الأولى اعتراف أرمينيا بوحدة أراضي أذربيجان وسيادتها، وذلك عبر الاتفاق على تشكيل لجنة ثنائية لترسيم الحدود حتى نهاية العام الحالي.
والثانية اتفاق الأطراف الثلاثة على مواصلة العمل لفتح جميع طرق المواصلات، ويسهل هذا الاتفاق التوصل إلى تفاهمات بشأن ممر زانغيزور الرابط بين إقليم ناختشيفان وباقي أراضي أذربيجان عبر منطقة سيونيك الأرمينية.
ورفض وزير الخارجية الأرميني، آرارات ميرزويان شروط أنقرة لإقامة علاقات طبيعية بين البلدين، بما فيها شق ممر عبر أراضي أرمينيا ليربط أذربيجان بتركيا، مع إشارته إلى أن بلاده مستعدة لتطبيع العلاقات مع تركيا من دون شروط مسبقة على الرغم من المساعدة الهائلة التي قدمتها تركيا لأذربيجان أثناء حرب قره باغ.
وذكر مراقبون أنه من الصعب أن تقبل الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا حدوث أي تقارب تركي أرميني، وبالتالي رباعي (روسي-تركي-أرميني-إيراني)، كونه يصب في مصلحة جميع هذه الأطراف ويجعلهم إحدى محطات التحالف الصيني الروسي ومن معهما من منظمات وكيانات وتحالفات إقليمية صاعدة.
يُذكر أن علاقات تركيا وأرمينيا يسودها الخلاف والقطيعة منذ قرابة 28 عاماً، لأسباب سياسية وأخرى تاريخية موروثة.
ويعود التوتر في العلاقة بين البلدين إلى عقود طويلة، لا سيما بسبب رفض أنقرة الاعتراف بـ"الإبادة الجماعية" للأرمن، إبان السلطنة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!