إتيان مهتشوبيان - صحيفة أكشام - ترجمة وتحرير ترك برس
بعد بحث وتمحيص وجدت أن أقرب مثال يُشابه القضية الكردية في بلادنا هو جيش التحرير الإيرلندي في شمال إيرلندا الخاضع للحُكم البريطاني. ولتعلموا حجم المشكلة سأعرض لكم مثالا يُظهر بصورة عامة عُمق المشكلة، فرجال الأعمال الكاثوليك لهم صوت واحد في الانتخابات وفي كُل جوانب الحياة، بينما رجال الأعمال البروستانت لهم صوتان بدعم كامل من الحُكومة في لندن.
واللافت للأمر أن المثال الذي ذكرناه يحصل في منبت بلاد الديمقراطية ومنبعها الأول، فهي بلاد الأنجوسكسون (هم قبائل الجرمان الذين هاجروا إلى ما يُعرف اليوم ببريطانيا). كانوا يُعاملون كأُناس من طبقة دُنيا، فقد كانوا لا يستطيعون التكلم بلغتهم، وممنوعين من تطوير اقتصادهم، ومن يحاول منهم اتّهام النظام الحاكم تحل عليه عقوبات شديدة. في استعمار استمر لأكثر من خمسين عاما، واستمرارا لحُكم الحزب الواحد كنا نراهم يُلقون "الحاكم" بين يدي الشعب ذرا للرماد في العُيون لُيمنّي النفس بالحكم. فكُل هذا التسلّط على الشعب الإيرلندي أنتج مشاكل عميقة كانت ستؤدي إلى زيادة حدة الصراع وتوسع رقعته الشعبية.
والمثال التركي الكردي شبيه بالمثال البريطاني الإيرلندي الى أبعد الحُدود، رغم أن الأمور لم تكن حادة وعنيفة في تركيا مثل إيرلندا أبدا. فسبب الصراع ومركزه في المثال البريطاني الإيرلندي قائم على اختلاف المذهب الديني فبريطانيا تدعم البروستانت بينما الجيش الإيرلندي كاثوليكي، ومع ذلك فإن المُواجهات هناك لم تخلف أكثر من بضعة آلاف من القتلى.
وجدير بالذكر أن الصراع ليس فقط التعصب للبروستانت أوالتعصب للعرق الإيرلندي، فلقد كان الإيرلنديون في الماضي سويديين من البلاد الإسكندنافية . وكذلك الحال في حزب العمل الكُردستاني، فهو لا يقتصر على المعركة القومية من أجل القومية الكُردية، بل إنه يعتبر نفسه مُمثل الفكر اليساري، ويعتبر نفسه الوصي على المنطقة في نشر الشُيوعية والدفاع عن مبادئها.
من ينظر للأمور بسطحية وينظر للقضية الإيرلندية يحسبها مُعقدة وغير قابلة للحل، فكُل ما اقتربت الفرق المُتنازعة إلى حل، ينفرط العقد من جديد وتعود الأمور من حيث بدأت وكأنها دورة مُغلقة بدون حل في قعر الجحيم. لكن لو نظرنا للأمور بنظرة عميقة لوجدنا بعض أطراف الحل. فعدد الإيرلنديين في شمال إيرلندا حوالي 1.5 مليون نسمة، بينما يقدر عدد المُهاجرين والمُتواجدين في الولايات المُتحدة الإمريكية بين 30-40 مليون نسمة، ويأتي الدعم المالي لجيش التحرير الإيرلندي من الولايات المتحدة، ولهذا فإن واشنطن جزء لا يتجزّء من الحل.
ولو علمنا أن جزيرة إيرلندا كانت في عشرينات القرن الماضي جزيرة مُوحدة تحت مُسمى الجمهورية الإيرلندية نعلم حينها أن كيان الجُمهورية الإيرلندية يستطيع استيعاب الجميع وهو بذلك حجر أساس في الحل. ولو نعلم أن عدد البريطانيين أو المؤيدين للحكومة البريطانية يبلغ عددهم 4 مليون نسمة منتشرين في كُل أنحاء جزيرة إيرلندا نعلم أن الحُكومة البريطانية جزء من الحل فلا حل بدون لندن.
لقد تظافرات جُهود عواصم غربية كثيرة من أجل حل مُشكلة الصراع بين الإيرلنديين والبريطانيين، وكانت لكل من دبلن وبروكسل وواشنطن يد فعالة بنواية طيبة من أجل دفع جُهود التفاهُمات للوصل لحل دائم بالدعم المادي والمعنوي، فلقد دعمت واشنطن بسخاء من أجل دفع عجلة المُصالحة. ونيجة لذالك ظهرت الحُريات بعد أن كانت تُقمع وتمنع، وبتنا نرى التعدد السياسي من أحزاب وتجمعات مُختلفة، وبتنا نرى الإعلام الحُر الذي يعمل مع كُل عناصر المُجتمع للخُروج من عباءة الماضي بلا رجعة.
لم يكن الحل في إيرلندا بوحي من السماء نزل على النظام الحاكم هناك. بالتأكيد لم يكن الحل عن طريق العسكر وبلطجيّته أو عن طريق فتح الله غولن وغِلمانه. فنحن مُشكلتنا الكبيرة في الأحزاب اللاوطنية، فبعض الجهات المشبوهة تعمل عكس التيار وعكس إرادة الشعب في النُهوض والاستمرار نحو القمة. فلو أردنا حقا حل مشاكلنا وعلى رأسها المشكلة التركية الكردية يجب علينا أن نعمل مُتعاضدين يدًا بيد باستراتيجية تجمعنا لتركيا الجديدة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس