ترك برس
شهدت تركيا، أمس الاثنين حدثاً وصفه الأتراك بالتاريخي، حيث دشن الرئيس رجب طيب أردوغان أول الأنابيب على الخط البحري، الذي بدأ اليوم نقل غاز البحر الأسود إلى اليابسة، في خطوة أثارت تساؤلات حول انعكاسات ذلك على اقتصاد البلاد الذي يعاني مؤخراً ارتفاعاً في الأسعار ومعدلات التضخم، تزامناً مع تراجع قيمة العملة المحلية.
وجرت عملية التدشين في حفل رسمي أقيم في ميناء فيليوس بولاية زونغولداك، شمالي البلاد، حيث النقطة الأقرب إلى حقول الغاز في البحر.
وجاءت عملية النقل اليوم الاثنين بعد نحو عامين من إعلان اكتشاف سفينة الفاتح للتنقيب 320 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي في بئر "تونا-1" في حقل سكاريا للغاز بالبحر الأسود، وذلك في 21 أغسطس/آب 2020، وسُجل هذا الاكتشاف بوصفه أكبر اكتشاف للغاز في تاريخ تركيا، ثم توالت الاكتشافات نتيجة تكثيف عمليات التنقيب.
وفي كلمته أثناء حفل التدشين، كشف الرئيس أردوغان عن أن تركيا ستبدأ في الربع الأول مع عام 2023 ضخ 10 ملايين متر مكعب يوميا من الغاز الطبيعي المكتشف بالبحر الأسود.
وأشار أردوغان إلى أن حقل سكاريا للغاز في البحر الأسود سيصل إلى ذروة إنتاجه عام 2026.
وقال "نهدف إلى زيادة طاقتنا الإنتاجية اليومية من الغاز إلى 40 مليون متر مكعب من خلال 40 بئرا سيتم حفرها في الحقل"، مؤكدا أن تركيا ترى أن الطاقة مفتاح للتعاون الإقليمي وليست مجالا للتوتر والصراع.
وأضاف "بدأنا إنشاء خط الأنابيب البري بطول 211 كيلومترًا، وسينقل الغاز الطبيعي إلى شبكة النقل الوطنية لدينا بالتزامن مع خط الأنابيب الذي سنقوم ببنائه في أعماق البحار، وبمجرد وصول الغاز إلى اليابسة، سيتم إجراء فصله ومعالجته، ثم بعد ذلك سننقله إلى بيوت مواطنينا.
وفي إطار رؤية عام 2023، تواصل تركيا جهودها للاستفادة من حقول الغاز الطبيعي المكتشف في البحر الأسود وإتاحته لمواطنيها ودخوله بيوتهم للاستخدام.
وعمليا، بدأت عملية مدّ خط الأنابيب الذي ينقل الغاز الطبيعي إلى منشأة الإنتاج، بطول 170 كيلومترا، ويُتوقع أن تستغرق العملية نحو 5 أشهر.
وقامت سفينة "كاستورو 10" المملوكة لشركة "سايبيم" الإيطالية بمد الأنابيب في القسم الساحلي، ويجري دفن هذا الجزء في قاع البحر لمسافة معينة.
وقال الرئيس أردوغان إنه في المرحلة الأولى يتم ربط ما بين 6 و10 آبار بنظام الإنتاج الذي سيتم إنشاؤه تحت سطح البحر في حقل غاز سكاريا، على أن يتم إنتاج 10 ملايين متر مكعب من الغاز يوميا من هذه الآبار وتحويلها إلى شبكة الغاز الطبيعي التركية عام 2023.
ويعني ذلك -حسب خبراء- كميات تتراوح بين 3.5 و4 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا، على أن يزيد الإنتاج تدريجيا كما هي الحال في مثل هذه الحقول حول العالم.
ومن المتوقع أن يصل حقل سكاريا إلى أعلى مستوى إنتاج بين عامي 2027 و2028، بـ40 مليون متر مكعب من الغاز يوميا، أي نحو 15 مليار متر مكعب سنويا.
بدوره، قال وزير الطاقة والموارد الطبيعية فاتح دونماز في وقت سابق إنه سيجري استخدام غاز البحر الأسود في المطابخ العام المقبل.
وفي وقت سابق، قُدّر احتياطي الغاز في حقل سكاريا بـ540 مليار متر مكعب، بعد اكتشاف 135 مليار متر مكعب في موقع "أماسرا 1".
الأهمية الاقتصادية
ومع اكتشافات تركيا المتتالية للغاز الطبيعي في البحر الأسود، تزداد آمال الأتراك بوصول بلادهم إلى مصاف "الـ10 الكبار"، وتحسين الواقع الاقتصادي عبر تقليل الاعتماد على الخارج في مجال الطاقة وتلبية الاحتياجات محليا.
وفي هذا الإطار، نقل تقرير لـ "الجزيرة نت" عن الباحث الاقتصادي في جامعة يلدريم بيازيد بأنقرة محمد كلوب، قوله إن بدء نقل الغاز من البحر إلى اليابسة لحظة تاريخية؛ فبمجرد وصول الغاز لبيوت المواطنين سيتغير موقع تركيا تدريجيا في سوق الطاقة العالمية من مستورد بحت إلى مكتف ذاتيا في سوق الغاز الطبيعي.
وأضاف: "نستطيع القول إن الآثار الاقتصادية الملموسة لاكتشاف الغاز قبل نحو عامين بدأت فعليا، وستنعكس إيجابيا على الميزان التجاري التركي".
ورجح أن تشهد معدلات التضخم خلال وقت قصير تراجعا نتيجة انخفاض تكاليف الطاقة المستخدمة في القطاع الصناعي، وسينعكس ذلك بانخفاض واضح في الأسعار.
وأوضح الباحث الاقتصادي أن أسعار الفائدة ستنخفض بصورة تدريجية نظرا إلى الإيراد السنوي الذي سيدخل البلاد بفضل الغاز المكتشف، المقدر بمليارات الدولارات.
وأفاد تقرير لشركة وود ماكنزي للدراسات والاستشارات بأن كميات الغاز الطبيعي التي اكتشفتها تركيا حتى الآن تكفي لسد حاجة البلاد من الطاقة لمدة 12 عاما.
وأكد خبراء أن اكتشافات الغاز في البحر الأسود ستجعل أنقرة أكثر قوة على المستوى الاقتصادي، وستمنحها مزيدا من الحرية في حركتها السياسية الخارجية.
وتستورد أنقرة حاليا ما يقارب 50 مليار متر مكعب من الغاز الذي تستهلكه سنويا، ويتوقع المسؤولون أن يعزز الإنتاج المحلي الطلب على الغاز في البلاد بنسبة 60%، ليبلغ 80 مليار متر مكعب سنويا بحلول عام 2030، ومن المتوقع أيضا خفض متوسط فاتورة الطاقة السنوية بنحو 44 مليار دولار.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!