ترك برس
حظيت التحالفات والاتفاقيات ومنظمات التعاون مؤخّراً بشعبية واسعة على صعيد السياسة الدولية، لا سيما أن "الخطوات الأمنية" شكلت عنوان المرحلة.
إذن، ما هو هدف التحالفات الأمنية التي جرى تأسيسها حديثًا ولماذا اكتسبت هذا الزخم خلال السنوات الماضية؟
- تراجع أداء النظام الدولي الحالي
في العقد الماضي، اشتدت حدة الصراعات بالنظام الدولي، وتأثرت دول كثيرة بالفوضى والاضطراب اللذين ألمّا بالنظام المذكور.
ولهذا السبب برز توقّع حدوث تغيير شامل وكبير بالنظام الدولي الذي بات يذكّر بالأجواء التي سادت في فترة ما بين الحربين العالميتين، التي شهدت إقامة تحالفات أمنية تماماً، كما هو الحال في يومنا.
إن تحالفات مثل "أوكوس" التي يجمع أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، والحوار الأمني الرباعي المعروف باسم كواد (Quad)، الذي يجمع بين الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند، تعد من الأمثلة البارزة للتحالفات التي جرى تأسيسها في السنوات الماضية.
فيما ينظر إلى منظمة "الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة" التي تضمّ 15 دولة في المحيط الهادئ تحت قيادة الصين، بأنها جاءت ردا على رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، التي تضم الولايات المتحدة الأمريكية.
السنوات الماضية شهدت تفعيل "مبادرة البحار الثلاثة" التي تم توقيعها لأول مرة عام 2015 بمشاركة ممثلين عن 12 بلداً أوروبياً، بغرض الوقوف في وجه "طموحات روسيا التوسعية".
وبالإضافة إلى ما سبق، ومع اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022، ردّت بعض الدول الأوروبية على التهديدات الروسية.
من ناحية أخرى، تقدمت كل من فنلندا والسويد، اللتان تتمتعان بوضع محايد لسنوات؛ بطلبٍ للحصول على عضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو) بسبب مخاوف تتعلق بتهديدات روسية.
وفي الوقت الذي تشهد فيه السياسة الدولية تطوّرات دراماتيكية، تشهد المناطق المتاخمة لتركيا أيضاً حراكاً مستمراً.
ومن خلال الاتفاقيات الأمنية التي وقعتها اليونان مع واشنطن، تمكنت الأخيرة من إنشاء قواعد عسكرية في بعض المناطق اليونانية، كما وقعت اليونان وفرنسا، وهما عضوان في الناتو، اتفاقية دفاعية أمنية مشتركة.
- ما الذي ينبغي على تركيا فعله؟
وبالتزامن مع التطورات الجارية على الحدود الغربية لتركيا، وصلت المشاكل الأمنية في سوريا والعراق، على الحدود الجنوبية لتركيا، إلى مستوياتٍ خطيرة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن اشتعال الحرب الروسية الأوكرانية جاء كتطور آخر زعزع استقرار منطقة البحر الأسود.
جاء ذلك في الوقت الذي اتخذ حلفاء الناتو في معظم الأوقات مواقف مناهضة لتركيا، لذلك، وجدت أنقرة البديل في إنشاء تحالفات أمنية مع البلدان الواقعة في مجالها الإقليمي المباشر وذلك لمواجهة النزاعات العسكرية الإقليمية والكوارث الطبيعية.
وفي ظل الظروف الحالية لتركيا، فإن أنسب الدول لمثل هذا التعاون الأمني في المرحلة الأولى هما أذربيجان وباكستان.
فالبلدان يقيمان علاقات تعاون وثيقة مع أنقرة في جميع المجالات تقريباً، خاصة بعد انتصار الجيش الأذربيجاني في حرب الـ 44 يوماً عام 2020 واستعادته مرتفعات قره باغ.
- من التدريبات إلى الاتفاقات الأمنية
في الفترة ما بين 11 - 20 سبتمبر/ أيلول 2021، أقيمت في أذربيجان تدريبات عسكرية مشتركة حملت اسم "الأخوة الثلاثة 2021" بمشاركة تركيا وباكستان، وبذلك تكون القوات الخاصة للدول الثلاث قد أجرت مناورات مشتركة لأول مرة.
وتم التأكيد على أن الغرض الرئيسي من التدريبات هو تحسين انسجام القوات الخاصة للدول المشاركة والصديقة خلال الأعمال القتالية، والتمرّس في أداء المهامّ في أوقات السلم والحرب وتبادل المعلومات والخبرات.
وكانت هذه العملية المشتركة الأولى في سياق الأمن، التي تعتبر خطوة مهمة نحو إنشاء تحالف أمني شامل.
- احتمالات إنشاء تحالف تركي باكستاني أذربيجاني
تؤثر قضية كشمير وحالة عدم الاستقرار في أفغانستان على باكستان، لا سيما وأن إسلام أباد تعاني من مشاكل حدودية مع الهند منذ عقود.
بدورها أذربيجان، تعاني من مشاكل حدودية مع جارتها أرمينيا بسبب احتلال يريفان مرتفعات قره باغ لنحو ثلاثة عقود، إلى أن تمكنت باكو عام 2020 من تحرير الجزء الأكبر من أراضيها المحتلة.
تواجه أذربيجان صعوبات مع روسيا بسبب سياسات الأخيرة المتناقضة في منطقة جنوب القوقاز ودعمها لأرمينيا، فيما يشكل المكوّن التركي الأذري في إيران سبباً لتوتر العلاقات بين باكو وطهران.
لدى الدول الثلاث (تركيا وأذربيجان وباكستان) قواسم مشتركة قوية تدفعها لتطوير العلاقات الأمنية والسياسية المشتركة، كما أن إنشاء هذه البلدان لحلف أمني ثلاثي سوف يشكل تطوراً هاماً من حيث التوازنات الإقليمية والعالمية.
إضافة إلى ما سبق، لا بد من الإشارة إلى أن عدم امتلاك باكستان حدوداً جغرافية مع تركيا وأذربيجان لا يشكل عائقًا لإبرام تحالف أمني محتمل، ذلك أن "مفهوم الحدود" لم يعد يحظى بأهمية قصوى في التحالفات الأمنية والسياسية والعسكرية.
ويظهر ذلك في تحالفات مثل "أوكوس" و"كواد" ومنظمة "الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة" و"رابطة دول جنوب شرق آسيا".
إلى ذلك، يصنّف الجيش الباكستاني بالمرتبة العاشرة كأقوى الجيوش من حيث القدرات الدفاعية والعسكرية، فيما تحتل تركيا المركز الحادي عشر، ما يزيد من التأثير الإقليمي والعالمي لتحالف محتمل كهذا، فضلاً عن أن باكستان تعتبر واحدة من 9 دول تمتلك أسلحة نووية، ما يشكل معياراً مهمّاً للردع.
إضافة إلى أن توقيع الدول الثلاث، والتي حققت تطوراً مهماً وكبيراً في مجال الصناعة الدفاعية في السنوات الأخيرة، على حزمة واسعة من اتفاقات التعاون، سوف تزيد من قواسم التعاون المشتركة بين هذه البلدان الثلاثة.
- تحركات محتملة ضد التحالف الثلاثي
ومن المحتمل أن تكون هناك تحركات مضادة من قبل قوى عالمية ضد التحالف الثلاثي المحتمل الذي قد يتشكل بين تركيا وأذربيجان وباكستان.
ونظرًا لأن تركيا عضو في الناتو، فإن إبرام مثل هذا الاتفاق يمكن أن يشكل تهديدًا لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة ما يضع كلًا من أنقرة وواشنطن في مواجهة حقيقية.
إضافة إلى ما سبق، فإن مشاركة باكستان في منظمة شنغهاي للتعاون تعتبر مشكلة أخرى تواجه التحالف المحتمل.
ذلك أن إسلام أباد تمتلك تعاوناً تجارياً وعسكرياً عالي المستوى مع بكين، وتشكيل تحالف من هذا القبيل قد يشكل مصدر انزعاج للصين، كما أن روسيا سوف تقف في معارضة مثل هذا التحالف نظرًا لأنه قد يدفع أذربيجان لتقييد مصالح موسكو في جنوب القوقاز وحوض بحر قزوين.
** مقال تحليلي نشرته وكالة الأناضول بقلم الدكتور في قسم العلاقات الدولية بجامعة "قيريق قلعة" التركية، كورشات قُرقماز.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!