عمر كوش - تلفزيون سوريا
أخيراً، قام رئيس نظام الملالي الإيراني، إبراهيم رئيسي، بزيارة إلى دمشق، هي الأولى من نوعها لرئيس إيراني منذ 13 عاماً، ليكسر بذلك ما كان سائداً لدى رؤساء هذا النظام، الذين امتنعوا عن زيارتها خلال الأعوام الماضية، على الرغم من تولي ثلاثة رؤساء منصب الرئاسة في نظام الملالي، هم أحمدي نجاد، وحسن روحاني في ولايتين متتاليتين، ثم إبراهيم رئيسي بدءاً من العام 2021. وإذا كانت أسباب مختلفة تقف وراء عدم زيارتهم إلى نظام الأسد، إلا أنها تعود في الأساس إلى طبيعة علاقة المرشد الأعلى لنظام الملالي برئيس نظامه، وإلى تحول نوعي طرأ على العلاقة مع نظام الأسد، خاصة بعد أن خاض نظام الملالي المعركة ضد الشعب السوري إلى جانب نظام الأسد من أجل تثبيته، وقدم له - وما يزال - دعماً كبيراً، على المستوى العسكري والميليشياوي والاقتصادي، وبالتالي تغير تعامل نظام الملالي مع نظام الأسد، حيث لم يعد مجرد نظام يدور في فلكه، بل تابع طيّع له، ويقوم باستدعاء وشحن رئيسه، متى أراد كبير الملالي ومرشدهم ذلك.
غير أن الزيارة، التي سبق أن أعلن عنها، تأجلت عدة مرات، ليس كما يشاع بسبب خلافات تتعلق بطرق سداد الديون الإيرانية التي تقارب 60 مليار دولار، ولا بسبب خلافات سياسية مع نظام الأسد، الذي يدين بالكثير لنظام الملالي ولنظام بوتين لبقائه جاثماً على صدور السوريين، بل لاعتبارات تتعلق، من جهة أولى، بالتطورات والتغيرات التي جرت في المنطقة، وحملت معها رياح تطبيع وتقارب مع نظام الأسد على أكثر من محور واتجاه، خصوصاً اجتماع موسكو الثلاثي، الذي عقد بين وزراء دفاع روسيا وتركيا والنظام في 28 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، من دون علم نظام الملالي به، وعدم دعوته للمشاركة فيه. كما تتعلق، من جهة ثانية، بمحاولة إظهار الزيارة وكأنها تأتي كي تتوج مساراً جديداً في العلاقات بين النظامين المارقين، يطاول تدشين علاقات اقتصادية واستراتيجية بينهما، حيث يعول ساسة النظام الإيراني على جني فوائد وعوائد كثيرة منها، فضلاً عن محاولات إرسال إشارات ورسائل إلى الداخل الإيراني، وإلى القوى الخارجية الأخرى الخائضة في الدم السوري، وتوجد قوات لها على الأراضي السورية.
أول الإشارات التي يمكن تسجيلها هو أن النظام الإيراني لم يتغير، سواء على مستوى التفكير والعقلية أم على مستوى السلوك الإقليمي، إذ على الرغم من أنها جاءت بعد قيام السعودية بخطوات عديدة مع أجل تطبيع علاقاتها مع النظام، تكللت بزيارة وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، إلى الرياض، التي أعقبها زيارة وزير خارجية السعودية، فيصل بن فرحان، إلى دمشق، إلى جانب قيادتها جهوداً عربية لإعادة نظام الأسد إلى الجامعة العربية. إضافة إلى انعقاد اجتماع لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي والأردن ومصر والعراق في جدّة، تبعه اجتماع ثان في عمان لنفس مجموعة وزراء الخارجية، وحضره وزير خارجية نظام الأسد، فضلاً عن الاجتماعات الأمنية والعسكرية والسياسية التي يرعاها الساسة الروس، وبمشاركة إيران، لاستكمال خطوات التقارب التركي مع النظام.
وتشير وقائع الزيارة وحيثياتها إلى أن نظام الملالي ما يزال يتحدث باللغة نفسها عن انتصار محور المقاومة، الذي صرف عليه كثيراً من أموال الشعب الإيراني، وشيّد شبكته الميليشياوية الأخطبوطية، الممتدة من طهران وصولاً إلى بيروت، ومروراً بكل من بغداد ودمشق. وهو ما تحدث عنه بكل وضوح مساعد الرئيس الإيراني للشؤون السياسية، محمد جمشيدي، الذي اعتبر أن زيارة رئيسي إلى دمشق "تكلل انتصار محور المقاومة، بعدما مرّت منطقة غربي آسيا بمرحلة شديدة التوتر طوال 12 عاماً من التحول الجيوسياسي، كان الفائز فيها هو إيران، والخاسر هو الولايات المتحدة الأميركية، ولقد علّمَ قاسم سليماني الجميع أن القوة هي السبيل الوحيد لنجاح الدبلوماسية"، الأمر يظهر أن توجه نظام الملالي حيال دول الإقليم والمنطقة، لم يتغير قيد أنملة بعد توقيعه اتفاق المصالحة مع المملكة العربية السعودية.
كما أن رئيسي أراد من خلال لقائه الفصائل الفلسطينية خلال زيارته دمشق، إظهار أن النظام الإيراني ما يزال يقود ما يسميه، بشكل زائف، محور المقاومة والممانعة، الذي يشرف على تسليحه وتمويله، ويقوم بتوظيفه خدمة لمشروعه التوسعي في المنطقة، كما أراد أيضاً الإيحاء بأن هذا المحور يتطور بما يضمن قوته واستمراريته عبر وضعه في خدمة مصالح نظام الملالي، وأن الوقت قد حان كي يدخل هذا المحور مرحلة التطور باتجاه تحقيقه منافع اقتصادية، بعد أن صرف كثيراً في الجانب العسكري، لذلك مهد النظام الإيراني للزيارة بإرسال وزير الطرق والتنمية الإيراني، مهرداد بذرياش، إلى دمشق قبلها بأيام، من أجل التمهيد لتوقيع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية في قطاعات عديدة، وتضمن استثمارات طويلة الأجل، وتضع أطراً لمعالجة الديون. وتحقق ذلك بالتوقيع على مذكرة تفاهم لخطة تعاون شامل طويل الأمد، شملت التعاون في مجال النفط، والمجال الزراعي، والسكك الحديدية، والطيران المدني، والمناطق الحرة.
غير التوقيع على كل هذه الاتفاقات جرى على الورق فقط، وسيبقى كذلك، بالنظر إلى أن النظامين يخضعان لعقوبات اقتصادية، واقتصادهما متهالك، وخاصة نظام الأسد، الذي يمثل سلطة أمر واقع، وتعاني مناطق سيطرته من تدهور على كل المستويات المعيشية والاقتصادية، فضلاً عن أن النفط خارج مناطق سيطرته، واضطر إلى تخفيض ساعات العمل في دوائره إلى أربعة أيام فقط نتيجة أزمة الوقود التي يعاني منها، وبالتالي فإن النظام الإيراني يعي تماماً بأن نظام الأسد بحاجة ماسة إلى من ينقذه من أزماته الاقتصادية، لكنه مع ذلك أراد توجيه رسالة واهية إلى الداخل الإيراني، تفيد بأنه بدأ بجني ثمار الاستفادة على المستوى الاقتصادي مما صرفه عسكرياً خلال السنوات الماضية، من خلال التوقيع على اتفاقيات مع نظام الأسد، وهو أمر لن ينطلي على الشعب الإيراني، وسيظل يرفع شعاراته الاحتجاجية ضد نهب ثرواته وصرفها على محور المقاومة الزائفة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس