ترك برس
بلغت قيمة التجارة السلعية بين تركيا والدول العربية العام الماضي 66 مليار دولار، بين صادرات تركية إلى العرب بلغت 45.7 مليار دولار، وواردات من العرب بلغت 20.5 مليار دولار، لتحقق تركيا فائضا بتجارتها مع العرب بلغ 25 مليار دولار حسب البيانات الرسمية التركية.
وجاءت تلك الأرقام غير المسبوقة تاريخيا لكل من الصادرات والواردات والتجارة، نتيجة سعي تركيا خلال السنوات الأخيرة لتحسين علاقاتها الخارجية مع الجميع، سواء الدول العربية التي كانت على خلاف معها، أو اليونان وإسرائيل وأرمنيا التي شهدت أيضا نموا بالتجارة معها العام الماضي.
وتبادل قادة تركيا والسعودية والإمارات الزيارات، كما تبادل وزيرا الخارجية المصري والتركي الزيارات، وتحركت وفود رجال أعمال أتراك بين تركيا وتلك البلدان، وكانت النتيجة نموّ التجارة التركية مع العرب في العام الماضي بنسبة 19%، نتيجة نموّ الصادرات التركية إلى العرب بنسبة 14% وزيادة الواردات منهم بنسبة 29%، كما زادت معدلات السياحة المتبادلة وكذلك الاستثمارات المتبادلة.
وقد تلاقت مصالح الطرفين في هذا النموّ، فكانت فيه مصلحة لتركيا التي عانت من آثار وباء كورونا السلبية على الموارد السياحية، وما رافقها من تراجع في قيمة الليرة التركية، وما تلا ذلك من تضخم عالمي في دولة تستورد غالب استهلاكها من النفط والغاز الطبيعي وكثير من المواد الخام والسلع الوسيطة، وعلى الجانب الآخر استفاد العرب من القرب الجغرافي خاصة أن كلا من العراق وسوريا تربطهما حدود برية بتركيا، وكذلك من رخص المنتجات التركية بسبب تراجع قيمة الليرة التركية، فضلًا عن جودتها.
وعلى مستوى البلدان العربية زادت التجارة التركية العام الماضي مع كل الدول العربية عدا موريتانيا، كما زادت الصادرات التركية إلى 17 دولة عربية، وانخفضت بنسبة محدودة إلى كل من الإمارات وسلطنة عمان والكويت واليمن وموريتانيا، وكذلك زادت الواردات التركية من 19 دولة عربية ولم تنخفض إلا من العراق وليبيا والصومال.
وتصدر العراق التجارة التركية مع الدول العربية بسبب الجوار الجغرافي وتنوع الصادرات التركية، حيث بلغ نصيبه 23% من تجارة تركيا مع العرب، نتيجة استحواذه على نسبة 30% من الصادرات التركية إلى العرب، وفي المركز الثاني جاءت الإمارات العربية التي تشتهر بإعادة التصدير، ثم مصر، فالسعودية بسبب كبر الواردات التركية النفطية منها، فالمغرب، وليبيا بسبب العلاقات الجيدة مع حكومة طرابلس، والجزائر، ولبنان، وسوريا، وفي المركز العاشر جاءت قطر.
وبلغ النصيب النسبي لتجارة تركيا مع العرب نسبة 11% من مجمل صادراتها مع العالم، كمتوسط بين بلوغ نصيب صادراتها إلى العرب نسبة 18% من صادراتها إلى العالم، مقابل نسبة أقل من 6% للواردات من الدول العربية بالقياس إلى إجمالي الواردات التركية من دول العالم التي تتركز مع الاتحاد الأوربي وآسيا.
وإذا كانت التجارة التركية مع العرب قد حققت أرقاما غير مسبوقة، فإن نصيب العرب من تجارة تركيا ما زال أقل مما كان عليه منذ عشر سنوات، وهو ما يشير الي أثر التقلبات في حجم التجارة بسبب الخلافات السياسية في السنوات الماضية.
فرغم نموّ التجارة مع السعودية العام الماضي، فإنها ما زالت أقل مما كانت عليه منذ عشر سنوات، وها هي السعودية تحتل المركز الثاني عشر بين الدول العربية التي صدرت إليها تركيا العام الماضي، ورغم زيادة الصادرات التركية إلى السعودية العام الماضي بشكل ملحوظ فإن قيمتها ما زالت أقل مما كانت عليه عام 2007، ونفس الأمر مع الإمارات العربية، فرغم نمو التجارة معها العام الماضي، فإن قيمتها ما زالت أقل مما كانت عليه قبل عشر سنوات.
وخلال الربع الأول من العام الحالي بلغت قيمة تجارة تركيا مع الدول العربية -حسب البيانات التركية- 15.3 مليار دولار، موزعة بين 10.3 مليارات للصادرات التركية و5 مليارات دولار للواردات من العرب، بفائض تجاري تركي بلغ 5.3 مليارات دولار.
لكن قيمة التجارة كانت أقل من المتوسط الفصلي في العام الماضي، سواء في الصادرات أو في الواردات، واحتفظ العراق بالقدر الأكبر من الصادرات التركية إلى العرب كالمعتاد، وتصدرت الإمارات الواردات من العرب كالمعتاد.
ومن النواحي الإيجابية زيادة الصادرات التركية إلى السعودية لتبلغ 675 مليون دولار خلال الربع الأول من العام الحالي، مقابل 1 مليار و46 مليون في العام الماضي كله، وهو ما يبشر بتحقيق الصادرات التركية إلى السعودية طفرة في العام الحالي، حيث احتلت السعودية المركز الخامس في الصادرات التركية إلى العرب في الربع الأول من العام الحالي، بعد العراق والإمارات ومصر وليبيا بعد أن كانت تحتل المركز الثاني عشر العام الماضي.
ومن الطبيعي أن يتساءل البعض عن مصير التجارة العربية التركية في حالة فوز المعارضة، خاصة مع التصرفات السلبية لأحد مكونات التحالف السداسي اتجاه الوجود السوري هناك، وتأتي الإجابة من خلال الواقع والمصلحة التركية، لبلد به عجز مزمن بالميزان التجاري منذ عقود، وسوف يستمر ذلك العجز التجاري سنوات مقبلة لارتباطه بضعف نسبة الاكتفاء الذاتي من النفط والغاز الطبيعي، حيث ما زالت الكميات التي تم اكتشافها منهما محدودة بالقياس إلى حجم الاستهلاك الكبير.
وفي ضوء تحقيق تركيا فائضا تجاريا مزمنا مع الدول العربية فإن أي نظام حاكم بها، من مصلحته استمرار وزيادة التجارة العربية لتعويض جانب من العجز التجاري الكبير، الذي بلغ العام الماضي 109.5 مليارات دولار، كما بلغت نسبة تغطية الصادرات التركية إلى بلدان العالم إلى الواردات التركية 70% وهي أقل نسبة خلال السنوات الخمس الأخيرة.
وبعد أن جاء العراق في المركز الثالث بصادرات تركيا إلى دول العالم العام الماضي بعد ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية، فإن أي نظام حاكم بتركيا سيسعى للحفاظ على العلاقات التجارية مع العراق، خاصة أنه ظل ضمن الدول الخمس الأوائل بالصادرات التركية إلى دول العالم في السنوات العشر الأخيرة بين المركز الثاني والثالث والرابع.
كما سيسعى أي نظام تركي لزيادة الصادرات إلى الأسواق العربية، خاصة أن هناك مجالا لزيادتها سواء إلى دول الخليج العربي خاصة الإمارات والسعودية، أو إلى دول المغرب العربي، فإذا كانت دول الخليج الست قد استقبلت صادرات تركية بقيمة 9.1 مليارات دولار العام الماضي، فقد استقبلت دول المغرب العربي الخمس صادرات تركية بقيمة تقترب من عشرة مليارات من الدولارات، وإذا كان العراق قد تلقى وحده صادرات بقيمة نحو 14 مليار دولار، فقد اقتربت قيمة الصادرات التركية إلى مصر من خمسة مليارات دولار، وتخطت قيمة الصادرات التركية ملياري دولار بكل من سوريا ولبنان، كما تخطت مليار دولار باليمن.
تقرير تحليلي نشره موقع الجزيرة مباشر بقلم الكاتب ممدوح الولي، نقيب الصحفيين المصريين سابقًا
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!