إسماعيل ياشا - عربي21
شهدت تركيا يوم الأحد الماضي أهم انتخابات رئاسية وبرلمانية في تاريخها، وذهب أكثر من 88 في المائة من الناخبين المسجلين إلى مراكز الاقتراع ليدلوا بأصواتهم لانتخاب رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان. وتمت عملية التصويت بهدوء، رغم شدة التنافس وكثافة المشاركة، وهو أمر يسجل كنقطة إيجابية في صفحات الديمقراطية التركية ويعكس مدى نضجها.
المتابعون للانتخابات التركية اهتموا بنتائج الانتخابات الرئاسية أكثر، نظرا لما يحمله منصب رئيس الجمهورية من أهمية في النظام الرئاسي المعمول به في البلاد. وأظهرت النتائج تقدم مرشح تحالف الجمهور ورئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان على منافسه مرشح تحالف الطاولة السداسية ورئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو، إلا أنه لم يتمكن من تجاوز عتبة 50 في المائة المطلوبة للفوز في الجولة الأولى.
أردوغان حصل على حوالي 49,50 في المائة من أصوات الناخبين. وبعبارة أخرى، أنه كان يحتاج فقط إلى 0,5 في المائة ليعلن فوزه في الجولة الأولى. ويمكن القول بأنه لم يفز في هذه الجولة، إلا أنه حقق انتصارا مدويا ضد هؤلاء الذين كانوا يتهمونه بالدكتاتورية، وأرى العالم مدى احترامه لقواعد اللعبة الديمقراطية والإرادة الشعبية.
نتائج الانتخابات الرئاسية كانت مفاجئة لمجموعتين من المتابعين: الأولى، كانت تعتقد أن كليتشدار أوغلو سيفوز في الجولة الأولى أو على الأقل سيذهب إلى الجولة الثانية وهو متقدم على أردوغان. ومن المؤكد أن نتائج استطلاعات الرأي المفبركة التي أجرتها شركات مقربة من حزب الشعب الجمهوري والتي كانت تظهر تقدم كليتشدار أوغلو على أردوغان بنسبة تصل في بعضها إلى 20 في المائة، لعبت دورا في تضليل هؤلاء ودفعتهم إلى هذا الاعتقاد.
أما المجموعة الثانية التي تفاجأت بنتائج الانتخابات فهي التي كانت تعتقد أن أردوغان سيفوز في الجولة الأولى بفضل المشاريع الضخمة التي تم إنجازها في عهده لخدمة الوطن والمواطنين. ولم يكن هؤلاء يتوقعون أن حوالي 45 في المائة من الناخبين سيصوتون لمرشح ليس في حياته البيروقراطية ولا السياسية أي نجاح، كما أن مجمل وعوده هو أنه سيقدم مصالح الولايات المتحدة على أمن تركيا ومصالحها، وسيجعل البلاد تابعة للغرب في كل شؤونها.
هذه الانتخابات أظهرت أن إنجاز المشاريع التنموية مع توفير كافة الخدمات التي ترفع مستوى الرفاهية لا يكفي لكسب قلوب الناخبين وأصواتهم، وأن نسبة كبيرة من الناخبين قدموا انتماءاتهم العرقية والطائفية والأيديولوجية على ما يتمتعون به من خدمات وما يقدَم إليهم من وعود. وإن لم يتم الانتباه لهذه الظاهرة غير الصحية، والسعي إلى معالجتها قبل أن تتفاقم وتترسخ، فإنها قد تجر البلاد في المستقبل إلى الانزلاق نحو نظام المحاصصة سيئ السمعة، لا سمح الله.
نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي أجريت يوم الأحد، كشفت عن صعود القوميين الأتراك، إلى جانب بروز أحزاب سياسية جديدة كحزب الرفاه من جديد وحزب الدعوة الحرة "هدى- بار" وحزب العمال التركي. وتعود أسباب هذا الصعود إلى عوامل عديدة، أبرزها شعور الناخبين بأن البلاد تواجه خطرا يهدد أمنها واستقرارها ووحدة ترابها، في ظل تحالف أحزاب الطاولة السداسية مع الأكراد الانفصاليين الموالين لحزب العمال الكردستاني، كما أن حصول مرشح تحالف الأجداد، سنان أوغان، على أكثر من 5 في المائة من أصوات الناخبين، يشير إلى أن نسبة من هؤلاء القوميين الأتراك يرون اللاجئين السوريين والأفغان تهديدا لديموغرافية البلاد وهوية المجتمع.
حزب الرفاه من جديد برئاسة فاتح أربكان خاض الانتخابات البرلمانية بقوائمه، وحصل في أول اختبار له على 2,8 في المائة من الأصوات و5 مقاعد في البرلمان. وجاء جزء من هذه الأصوات من مؤيدي حزب السعادة السابقين، وجزء آخر من مؤيدي حزب العدالة والتنمية السابقين. ويشير ذلك إلى أن نسبة من الناخبين الإسلاميين كانوا منزعجين من أداء حزب السعادة وحزب العدالة والتنمية وسياساتهما، ويبحثون عن بديل يمثل هويتهم الإسلامية، ولا يتحالف مع حزب الشعب الجمهوري والموالين لحزب العمال الكردستاني وتنظيم جماعة كولن.
حزب الدعوة الحرة "هدى- بار" الذي سيتمثل في البرلمان التركي بأربعة نواب؛ خاض الانتخابات البرلمانية ضمن قوائم حزب العدالة والتنمية. ويعكس بروز هذا الحزب رغبة نسبة من الأكراد الإسلاميين في وجود نواب في البرلمان التركي يمثلون هويتهم القومية والإسلامية، كما أن تناغمه مع حزب العدالة والتنمية يخدم وحدة تركيا ويشكل تصديا لمشاريع الانفصال.
حزب العمال التركي الذي خاض الانتخابات البرلمانية بقوائمه، نجح في الحصول على 4 مقاعد في البرلمان. وعلى الرغم من تحالف هذا الحزب مع حزب اليسار الأخضر ودعمه لكليتشدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية، إلا أنه يسعى إلى تثبيت موقعه الخاص به في الخارطة السياسية التركية كحزب يقف على يسار حزب الشعب الجمهوري، ويرغب في وضع مسافة بينه وبين الانفصاليين الذين وصفهم أحد نوابه بــ"الفاشيين الأكراد". كما أن حصول حزب العمال التركي على معظم أصواته في مناطق بإسطنبول يسكنها الأغنياء؛ يشير إلى أنه حزب لأبناء الرأسمالية المتوحشة المدللين يستمتعون فقط بلعب دور المدافعين عن حقوق العمال والفقراء كنوع من أنواع الترفيه والتسلية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس